الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن الصراع بين الحق والباطل سنةٌ جارية، منذ أن خلق الله الخلق، فلم يَسلَم الأنبياء عليهم السلام من عداء أقوامهم وكيدهم ومكرهم، وكذا كل من دعا بدعوتهم واقتفى أثرهم من أهل الإيمان والتقوى، ولذا قال ورقة بن نوفل رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي أولَ ما نزل: (لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ) رواه البخاري (3) ومسلم (252).
ولما قامت الدول السعودية في هذه الأزمان المتأخرة بنصرة التوحيد والسنة وتطبيق الشريعة ومحاربة الشرك والكفر والبدع والمحدثات عُوديتْ من قبل كثير من الدول والجماعات، ورَموْها عن قوسٍ واحدة، وسعَوا بكل ما أُتوا من قوة إلى تشويه سمعتها، وزعزعة أمنها، وتشتيت شملها، وهدم كيانها، فتارة تكون الحرب على بلادنا بالإرهاب والفكر الضال، وتارة تكون بتأليب الرأي العام بدعاوى وأكاذيبَ بلادُنا منها براء، وتارة بنشر الشائعات المغرضة لإثارة الرعية على ولاة أمورهم، وغير ذلك من أساليبهم الماكرة، وطرقهم الخبيثة.
ومع هذا المكر الكُبَّار، والكيد الكبير لبلادنا إلا أن الله تعالى بفضله وقوته قد حماها من أعدائها، ودفع عنها الفتن التي حاول المفسدون إشعالها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ وقال سبحانه: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾.
ولذا فالواجب علينا تجاه هذه الهجمات المغرضة على بلادنا:
- التضرع إلى الله تعالى بالدعاء أن يدفع عن بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار، فالدعاء من أعظم الأسباب لدفع الشرور، وكبت الأعداء.
- الاجتماع مع علمائنا وولاة أمرنا، والحذر من الفرقة والاختلاف، فإنها أعظم أسباب الفشل، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
- الحذر من الشائعات التي لا مستند لها؛ لقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ, وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» رواه البيهقي في السنن الكبرى (20270) وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1790): وهذا إسناد حسن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» رواه أبو داود (4972) وصححه الألباني، والزعم يقال غالبا في كلام لا سند له ولا تَثبُّت فيه، ولذا فمن الخطأ البَيِّن ما يفعله بعض الناس من نشر كل ما يأتيه في رسائل الجوال من الإشاعات التي لا يُعرف مصدرها، فهذا يُخشى عليه من الإثم؛ فعَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» أخرجه مسلم في المقدمة 1/10.
- حفظ اللسان من القيل والقال الذي يضر ولا ينفع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه، فإما أن يتكلم المرء بعِلْم، أو يصمت بحِلْم.
- الدفاع عن بلادنا قدر المستطاع، كل بحَسَبه وبقدر علمه ومسؤوليته، فإن الدفاع عن بلاد التوحيد ودفع الشرور عنها من الواجبات، ونوع من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى.
والله المسؤول أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه: أحمد بن حمد بن عبد العزيز الونيِّس
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بالرياض
7 /2/ 1440هـ