الدليل

2025-11-19 13:56:39

الأرجوزة المئية_03

شرح الأرجوزة المئية في ذكر حال أشرف البرية

لابن أبي العز الحنفي A 

برنامج دليل 1447هـ

الدرس الثالث

 

إن الحمد لله .. أما بعد:

فيقول الناظم A:

25- ثُمَّ مَضَتْ عِشْرُونَ يَوْمًا كَامِلَةْ ... فَرَمَتِ الْجِنَّ نُجُومٌ هَائِلَةْ 

أي ثم بعد مضي عشرين يوما من مبعث النبي رُميت الجنُّ بالنجوم أي بالشهب الهائلة أي المحرقة.

و (الجنَّ) مفعول به مقدَّم (نجومٌ) فاعل مؤخر.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ k، قَالَ: « انْطَلَقَ النَّبِيُّ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: ﴿إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبٗا 1 يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَآمَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا 2 [الجن: 2]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ : ﴿قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ» رواه البخاري 773، ومسلم 449.

وعَنْ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: « كَانَ الجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا، فَأَمَّا الكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ، وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: مَا هَذَا إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي الأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ أُرَاهُ قَالَ: بِمَكَّةَ، فَلَقُوهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ» رواه الترمذي 3324، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وصححه الألباني.

واستراق السمع من قبل الشياطين له ثلاثة أحوال:

1- قبل بعثة النبي كان استراق السمع كثيراً جداً، وكان شأن الكهنة عظيماً، وكان في كل حي من أحياء العرب كاهن يرجعون إليه ويتحاكمون إليه.

2- بعد بعثته حُرست السماء من استراق السمع وامتنع ذلك على الشياطين، - إلا في النادر[1] -؛ لئلا يقع الاشتباه في أصل الوحي والنبوة؛ لأن ذلك الوقت هو وقت نزول القرآن، قال تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدۡنَٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسٗا شَدِيدٗا وَشُهُبٗا 8 وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا 9 [الجن:8-9]  وقال تعالى: ﴿إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ [الصافات:10]

فملئت السماء حرساً شديداً وشهباً حتى إذا بُلِّغ الوحي للنبي وسُمع الوحي في السماء فإنهم لا يخطفونه، حتى لا تقع الفتنة من جهة الوحي، فلم يخطفوا شيئاً من الوحي الذي أوحاه الله عز وجل لنبيه .

3- بعد وفاة النبي عظم استراقهم للسمع، ولكن دون ما كان عليه قبل البعثة، وفوق ما كان عليه أثناء البعثة[2].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية A في الجواب الصحيح 5/353- 355: (وقد تواترت الأخبار بأنه حين المبعث كثر الرمي بالشهب، وهذا أمر خارق للعادة، حتى خاف بعض الناس أن يكون ذلك لخراب العالم، حتى نظروا هل الرمي بالكواكب التي في الفلك أم الرمي بالشهب؟ فلما رأوا أنه بالشهب، علموا أنه لأمر حدث. وأرسلت الجن تطلب سبب ذلك، حتى سمعت القرآن، فعلموا أنه كان لأجل ذلك. وهذا من أعلام النبوة ودلائلها. وقبل زمان البعث وبعده، كان الرمي خفيفا، لم تمتلئ به السماء كما ملئت حين نزول القرآن).

وأما كون رمي الجن بالشهب بعد عشرين يوما من البعثة فقد ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/36 فقال: (قال العلماء بالسيّر: رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما ًمن مبعث رسول الله ) والله أعلم.

26 - ثُمَّ دَعَا فِي أَرْبَعِ الْأَعْوَامِ ... بِالْأَمْرِ جَهْرَةً إِلَى الْإِسْلاَمِ 

أي ثم بعد مضي ثلاثة أعوام من بعثة النبي كان يدعو فيها إلى الإسلام دعوة سرية، فلما كان العام الرابع من البعثة أمره الله عز وجل بالدعوة الجهرية إلى الإسلام، وأنزل الله عليه: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ فجهر لقومه بالدعوة.

ويدل له أيضا قوله تعالى: ﴿فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ.

فمراد الناظم A أن بدء الدعوة الجهرية كان في أول العام الرابع من البعثة، وليس مراده أن الدعوة الجهرية كانت في الأعوام الأربعة الأولى من البعثة.

27 - وَأْرَبَعٌ مِنَ النِّسَا وَاثْنَا عَشَرْ  ... مِنَ الرِّجَالِ الصَّحْبِ كُلٌّ قَدْ هَجَرْ 

28 - إِلَى بِلاَدِ الْحُبْشِ فِي خَامِسِ عَامْ ... وَفِيهِ عَادُوا ثُمَّ عَادُوا لاَ مَلاَمْ 

29 - ثَلاَثَةٌ هُمْ وَثَمَانُونَ رَجُلْ ... وَمَعَهُمْ جَمَاعَةٌ حَتَّى كَمُلْ 

30 - وَهُنَّ عَشْرٌ وَثَمَانٍ ثُمَّ قَدْ ... أَسْلَمَ فِي السَّادِسِ حَمْزَةُ الْأَسَدْ

هذه الأبيات ذكر فيها الناظم حادثة الهجرتين إلى الحبشة، وفي آخرها ذكر إسلام حمزة h

أما الهجرة الأولى إلى الحبشة فقد كانت في السنة الخامسة من بعثة النبي ، لما عظم الأذى من كفار قريش للمسلمين أمرهم النبي أن يهاجروا إلى الحبشة فرارا بدينهم، وكان عددهم أربع نساء، واثني عشر رجلا، والنساء هن: رقية بنت رسول الله ، وسهلة بنت سهيل، وأم سلمة، وليلى العدوية رضي الله عنهن، وكلهن من الصحابيات السابقات إلى الإسلام.

واثنا عشر رجلا من الصحابة السابقين إلى الإسلام j.

والهجرة هي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام.

وقوله: (بلاد الحُبْش) أي إلى الحبشة، وهي ما يعرف الآن بأثيوبيا وأرْتيريا.

وعاد هؤلاء المهاجرون إلى مكة في العام الخامس لما بلغهم إسلام قريش، فلما قربوا منها تبين لهم أن الخبر باطل، فمنهم من دخل مكة، ومنهم من رجع إلى الحبشة.

وأما الهجرة الثانية إلى الحبشة فكان عدد الصحابة j ثلاثة وثمانين رجلا، وثماني عشرة امرأة.

وقوله: (ثم قد أسلم في السادس حمزة الأسد)

أي أنه في العام السادس من بعثة النبي أسلم عمه حمزة بن عبد المطلب h، سيد الشهداء، وأخو النبي من الرضاعة، وهو أسد الله، وأسد رسوله .

عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ k قال: فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ حَمْزَةَ حِينَ فَاءَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ مِنِ انْهِزَامِهِمْ، فَسَارِ رَسُولُ اللَّهِ نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَأَى جَبْهَتَهُ بَكَى، وَلَمَّا رَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ ثُمَّ قَالَ: «أَلَا كُفِّنَ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَمَى بِثَوْبٍ، قَالَ جَابِرٌ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ» رواه الحاكم 4900، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي.

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» رواه الحاكم 4884، وقال: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ « وذكره الألباني في الصحيحة 374.

31 - وَبَعْدَ تِسْعٍ مِنْ سِنِي رِسَالَتِهْ ... مَاتَ أَبُو طَالِبِ ذُو كَفَالَتِهْ 

أي وبعد تسع سنين من بعثة النبي مات عمه أبو طالب الذي كفل النبي بعد جده عبد المطلب، وكان ينصره ويحوطه.

وقوله: (مات أبو طالبِ) بدون تنوين الباء؛ لضرورة الشعر، لئلا ينكسر البيت.

روى البيهقي في دلائل النبوة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ».

وكاعة جمع كاع، وهو الجبان.

32 - وَبَعْدَه خَدِيجَةٌ تُوُفِّيَتْ ... مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ ثَلاَثَةٍ مَضَتْ 

ثم بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام توفيت أم المؤمنين خديجة i، وعمرها خمس وستون سنة.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب 4/1881: (وَكَانَ موت خديجة قبل مخرجه إِلَى المدينة مهاجرًا بثلاث سنين. هَذَا أولى مَا قيل فِي ذلك وأصحه إن شاء اللَّه تعالى. وقد قيل فِي موت خديجة: إنه كَانَ قبل الهجرة بخمس سنين. وقيل: بأربع، عَلَى مَا ذكرناه فِي بابها).

وعن عروة بن الزبير A قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ إِلَى المَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» رواه البخاري 3896.

قال الحافظ في الفتح 7/224: (هذا صورته مرسل لكنه لما كان من رواية عروة مع كثرة خبرته بأحوال عائشة يحمل على أنه حمله عنها).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ» رواه البخاري 3820، ومسلم 2432.

33 - وَبَعْدَ خَمْسِينَ وَرُبْعٍ أَسْلَمَا ... جِنُّ نَصِيبِينَ وعَادُوا فَاعْلَمَا 

أي وبعد مضي خمسين سنة من ميلاد النبي (وربع) أي ثلاثة أشهر، أسلم جن بلدة نصيبين، وهي بلدة في تركيا، قريبة من حدود سورية، ثم عاد هؤلاء الجن منذرين إلى قومهم.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟» فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلاَ بِرَوْثَةٍ». فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي، حَتَّى وَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ العَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ، وَنِعْمَ الجِنُّ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَمُرُّوا بِعَظْمٍ، وَلاَ بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا» رواه البخاري 3860.

وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح 7/171 تعدد وفود الجن على النبي فأما ما وقع في مكة فكان لاستماع القرآن والرجوع إلى قومهم منذرين كما وقع في القرآن وأما في المدينة فللسؤال عن الأحكام.

34 - ثُمَّ عَلَى سَوْدَةَ أَمْضَى عَقْدَهْ ... فِي رَمَضَانَ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهْ 

35 - عَقْدُ ابْنَةِ الصِّدِّيقِ فِي شَوَّالِ، ... وَبَعْدَ خَمْسِينَ وَعَامٍ تَالِ 

36 - أُسْرِيْ بِهِ وَالصَّلَوَاتُ فُرِضَتْ ... خَمْسًا بِخَمْسِينَ كَمَا قَدْ حُفِظَتْ 

في هذه الأبيات ثلاث حوادث من سيرته :

الأولى: زواجه بأم المؤمنين سودة رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة القرشية، عقد عليها في رمضان من العام العاشر من البعثة، وهي يومئذ في الخامسة والخمسين من عمرها، وهي أول من دخل بها بعد خديجة رضي الله عنها.

قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمتها 4/1867: (ولا خلاف أنه لم يتزوجها إلا بعد موت خديجة، وكانت قبل ذلك تحت ابْن عم لَهَا يقال له السكران بْن عَمْرو أخو سهيل بْن عَمْرو، من بني عامر بْن لؤي).

الثانية: زواجه بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان بعد عقده على سودة رضي الله عنها وقال بعضهم: عقد على عائشة i أولاً، ثم على عقد على سودة رضي الله عنها، ثم دخل بها في مكة، وأما دخوله على عائشة رضي الله عنها فكان بعد ذلك بالمدينة.

وعن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ إِلَى المَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» رواه البخاري 3896.

ومعنى (نكح) أي عقَدَ عقْدَ زواجه عليها. (بنى بها) أي دخل بها.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ، قَالَ لَهَا: «أُرِيتُكِ فِي المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» رواه البخاري 3895، ومسلم 2438.

(سرقة) قطعة حرير جيد.

الثالثة: الإسراء والمعراج، فبعد مضي خمسين سنة من ميلاد النبي ، ودخول العام الواحد والخمسين (وعام تالِ) أي تال للواحد والخمسين، والمراد في العام الثاني والخمسين من ميلاده ، وهو العام الثاني عشر من بعثته ، أُسري بالنبي ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماء.

وفرضت عليه الصلوات الخمس في تلك الليلة في السماء، وهي خمس صلوات في العدد، وخمسون في الثواب، كما حفظت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: « فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِيَ مُحَمَّدٌ »، قَالَ: فَأُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَفَتَحَ، قَالَ: فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، قَالَ: فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قَالَ: فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ «، قَالَ: « قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ ، وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى»، قَالَ: « ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: فَفَتَحَ»، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَعِيسَى، وَمُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قَالَ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللهِ بِإِدْرِيسَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قَالَ: « ثُمَّ مَرَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالْأَخِ الصَّالِحِ»، قَالَ: « قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى»، قَالَ: « ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»، قَالَ: «ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ»، قَالَ: « قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولَانِ قَالَ رَسُولُ اللهِ : «ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ»، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : «فَفَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً»، قَالَ: فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ لِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدْ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى نَأْتِيَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ؟ قَالَ: ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤَ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ. رواه البخاري 349، ومسلم 163.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ : «لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ»، قَالَ: « فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ ...» رواه مسلم 172.

(لم أثبتها) أي لم أحفظها ولم أضبطها لاشتغالي بأهم منها (فكربت كربة ما كربت مثله قط) الضمير في مثله يعود على معنى الكربة وهو الكرب أو الغم أو الهم أو الشيء.

37 - وَالْبَيْعَةُ الْأُولَى مَعَ اثْنَيْ عَشَرَا ... مِنْ أَهْلِ طَيْبَةَ كَمَا قَدْ ذُكِرَا 

هذا البيت في ذِكْر بيعة العقبة الأولى، وكانت في السنة الثانية عشرة من البعثة، وهي أن اثنا عشر رجلا من الأوس والخزرج من أهل طيبة، وهي المدينة بايعوا النبي ، أي عاهدوه على نصره ومؤازرته.

وأما بيعة العقبة الثانية فكانت بعد البيعة الأولى بعام، أي في السنة الثالثة عشرة من البعثة، ولهذا قال الناظم:

38 - وَبَعْدَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ أَتَى ... سَبْعُونَ فِي الْمَوْسِمِ هَذَا ثَبَتَا 

أي وبعد ثنتين وخمسين سنة من ميلاده وهي السنة الثالثة والخمسون من ميلاده ، أي السنة الثالثة عشرة من البعثة، أتى سبعون رجلا من الأوس والخزرج في موسم الحج من طيبة التي هي المدينة، فبايعوا رسول الله .

39 - مِنْ طَيْبَةٍ فَبَايَعُوا ثُمَّ هَجَرْ  ... مَكَّةَ يَوْمَ اثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ صَفَرْ 

أي وبعد بيعة العقبة الثانية هاجر رسول الله من مكة المكرمة لشدة عداوة قريش له ، ولأصحابه رضي الله عنهم، وذلك في يوم الاثنين من شهر صفر للعام الثالث عشر من البعثة.

40 - فَجَاءَ طَيْبَةَ الرِّضَا يَقِينَا ... إِذْ كَمَّلَ الثَّلاَثَ وَالْخَمْسِينَا 

أي وصل إلى طيبة وهي المدينة رسول الله و (الرضا) وصف له ، لكمال الرضا منه وبه عليه الصلاة والسلام.

(يقينا) أي هذا أمر متيقن، وهو قدومه المدينة مهاجرا.

وكان عمره آنذاك ثلاثا وخمسين سنة.

41 - فِي يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَدَامَ فِيهَا ... عَشْرَ سِنِينَ كُمَّلاً نَحْكِيهَا 

أي وكان يوم دخوله المدينة يوم الاثنين، وأقام فيها عشر سنين بعدما هاجر إليها.

(كُمَّلا) أي كاملة (نحكيها) أي نقصها لك ونخبرك بأحداثها.

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

[1] وهذا النادر إن حصل فهو في غير الوحي.

[2] ينظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص 318.

 

📄 اضغط لمشاهدة الملف

المقاطع ذات صله