شرح القواعد الأربع([1])
لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة من مؤلفات الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، المجدد لما اندرس من معالم الدين في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، المتوفى سنة 1206هـ.
وهي رسالة: القواعد الأربع.
وموضوعها هو معرفة التوحيد ومعرفة الشرك، وما هي القاعدة في التوحيد والقاعدة في الشرك؟ وهذه القواعد مأخوذة من أدلة الكتاب والسنة ومعرفة حال العرب ولم يأت بها الشيخ رحمه الله تعالى من عنده.
فمن فهم هذه القواعد سهل عليه معرفة الشرك الذي حذر الله تعالى منه.
وهذا والله من أهم المهمات، وأعظم ما تجب العناية به، فهو أهم من معرفة أحكام الصلاة والزكاة والصيام وسائر الأمور الدينية، لأن هذه العبادات لا تصح إذا لم تبن على التوحيد الخالص والعقيدة الصحيحة.
وهذه القواعد تعصم من حفظها وفهمها من أن يكون عنده تردد في مسألة الحكم على أهل الإشراك.
وكثير من المسلمين لم يفهموا هذه القواعد الأربع، ولذا التبس عليهم الأمر، فعبدوا القبور والأشجار والأحجار، وهم يحسبون أنهم على شيء، وذلك بسبب جهلهم بحقيقة التوحيد وحقيقة الشرك.
وقد اعتنى العلماء بهذه الرسالة، وشُرحت بعدة شروح مطبوعة، ومسموعة، وقد جرى عمل علمائنا أن هذه القواعد الأربع هي من أول ما يبدأ به طالب العلم من متون العقيدة.
والقواعد: جمع قاعدة وهي في اللغة أساس الشيء وأصله، حسياً كان أو معنوياً، فمِن الحسي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [البقرة: 127] فقواعد البيت هذه حسية ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: 26].
وقد يراد بالقواعد القواعد المعنوية كقواعد الدين وأصوله وهذا المعنى هو المراد هنا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم)
بدأ المؤلف رحمه الله تعالى هذه الرسالة بالبسملة اقتداء بكتاب الله تعالى فإنه مبتدأ بالبسملة، واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من كتابه صلى الله عليه وسلم لهرقل، فإنه مبتدأ بالبسملة.
وقوله: بسم. جار ومجرور متعلق بمحذوف، يقدر بفعل متأخر مناسب للمقام. فيكون التقدير هنا: بسم الله أكتب، أو أؤلف.
بسم الله: يعم كل اسم من أسماء الله تعالى؛ لأن "اسم" مفرد مضاف للفظ الجلالة، والمفرد المضاف يفيد العموم، فمعنى قوله بسم الله: أي بكل اسم من أسماء الله الحسنى.
والباء في: بسم الله: للاستعانة، أي أكتب مستعينا باسم الله، وقيل للمصاحبة أي أن اسم الله يصحبه من أول الفعل إلى آخره.
الله: لفظ الجلالة علم على الذات العلية لا يُسمَّى به غيره، وهو أعرف المعارف.
ومعناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
والرحمن: اسم من أسماء الله تعالى لا يُطلَق على غيره، يدل على صفة الرحمة، وهذه الصفة كغيرها من صفات الله تعالى معلومة المعنى لنا، لكن الكيفية غير معلومة.
الرحيم: اسم لله تعالى، يدل على صفة الرحمة.
والفرق بين الرحيم والرحمن:
- أن الرحمن يدل على الرحمة العامة، والرحيم يدل على الرحمة الخاصة، لأن الله تعالى يرحم جميع العباد برحمته العامة، وأما الرحمة الخاصة فهي للمؤمنين كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 43].
- وقيل: الرحمن يدل على الصفة، والرحيم يدل على الفعل، فالرحمن يعني ذو الرحمة الواسعة، والرحيم بمعنى الذي يرحم عبادة، ويوصل الرحمة إليهم.
(أسأل الله الكريم رب العرش العظيم . . .)
هذا الدعاء من الشيخ رحمه الله تعالى يدل على نصحه لطالب العلم، فهو يعلمه ويدعو له.
واستهل هذا الدعاء بالتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وهو من التوسل المشروع، حيث توسل باسمي الكريم والرب.
(أن يتولاك في الدنيا والآخرة) أي يتخذك ولياً بالمحبة والهداية والتسديد والتوفيق والنصرة، وهذا معنى التولِّي في الدنيا.
ومعنى التولي في الآخرة فيكون بالرحمة والمغفرة والوقاية من النيران ودخول الجنة.
قال جل وعلا ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: 257] وقال تعالى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: 11].
فإذا تولى الله عبده في الدنيا والآخرة أخرجه من ظلمات الشرك والكفر إلى نور الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، وسعد في دنياه وأخراه.
(وأن يجعلك مباركاً أينما كنت) أي بأن يجعل فيك أسباب البركة كالعلم النافع والعمل الصالح فالعالم العامل مبارك والغني الصالح مبارك ونحو ذلك، قال جل وعلا ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾ [مريم: 31].
وهذا غاية المطالب أن يكون الإنسان مباركاً أينما كان، فيبارك له في علمه وعمله ورزقه وولده ونحو ذلك.
(وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر)
هذا دعاء من الشيخ رحمه الله تعالى للمتعلم بأن يجعله الله تعالى مستوفياً مظاهر العبودية ومقاماتها، وهي ثلاث:
وقال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: 7] وقال تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾ [البقرة: 152].
وشكر النعمة يكون بالقلب إقراراً واعترافا، وباللسان تحدثاً بالنعمة وحمدًا عليها، وبالجوارح عملاً بمرضاة المنعم سبحانه.
وهذا بخلاف ما عليه بعض الناس إذا أعطوا النعمة كفروها وأنكروها وصرفوها في غير طاعة الله عز وجل فصارت سبباً لشقاوتهم، قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
قال سبحانه: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17].
وقال عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
وقال سبحانه: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ 155 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ 156 أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 155-157].
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» رواه الترمذي 2396، وابن ماجه 4031، وحسنه الألباني.
وليحذر المؤمن من فعل ما ينافي الصبر من الجزع، وشق الجيوب عند المصيبة وضرب الخدود، لورود النهي عنه ذلك.
ويدل لهاتين العبادتين الشكر والصبر حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم 2999.
3- الاستغفار عند الذنب: فكل بني آدم خطَّاء، والواجب على العبد إذا عصى أن يسارع إلى التوبة والاستغفار كما قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135].
(فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة) أي من وجدت فيه هذه الأمور الثلاثة كان من أهل السعادة، لما فيها من معاني التوحيد والإقبال على الله تعالى، ومن حُرِمها فهو شقي نسأل الله تعالى العافية.
(اعلم أرشدك الله لطاعته) كلمة (اعلم) يؤتى بها للاهتمام بما بعدها.
(أرشدك الله لطاعته) هذا دعاء من المؤلف للمتعلم مرة أخرى، وهو يدل على نصحه ومحبته. والرشد: هو العلم النافع والعمل والصالح.
(أن الحنيفية ملة إبراهيم) أصل الحنيف المائل عن الشرك، المستقيم على التوحيد.
والله عز وجل قد أمر الناس باتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: 123].
وملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فسرها المؤلف بقوله:
(أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين) كما قال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5].
فلا بد في العبادة لله تعالى أن تكون خالصة له دون ما سواه بحيث لا يكون فيها شرك.
ثم ذكر الدليل على ذلك وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
أي الحكمة من خلقهم هي أن يعبدوا الله تعالى وحده لا شريك له، بدليل الحصر في الآية.
(فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة)
هذا فيه أن من شروط صحة العبادة أن تكون خالصة لله تعالى، كما أن من شروط صحة الصلاة الطهارة فإذا دخل الشرك في العبادة أبطلها، كما أن الحدث يفسد الطهارة؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رواه البخاري 6954، ومسلم 225.
وهذا هو الشرط الأول من شرطي قبول العبادة وهو الإخلاص، فالعبادة التي يخالطها الشرك تكون باطلة، وكذلك إذا عَبَدَ الله تعالى مخلصاً ثم أشرك بعد ذلك بطلت عبادته؛ لحبوط عمله بالشرك.
ودليل هذا الشرط قوله تعالى: ﴿لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65]
وقوله عز وجل: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» رواه مسلم 2985. والمعنى كما قال النووي في شرح مسلم 18/116: (فمن عمل شيئا لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير، والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به).
الشرط الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ودليله قوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ﴾ [الشورى: 21].
(كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ﴾ [التوبة: 17]).
أي: ما ينبغي ولا يليق ﴿لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 17] بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر، ومَن كان كذلك فأعماله حابطة باطلة؛ لانتفاء شرط قبولها وهو الإيمان والتوحيد، فدل على أن الشرك لا يُقبل معه عمل.
(فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار)
فالشرك إذا خالط العبادة ترتب عليه عدة أمور:
يُفسد العبادة، فتبطل، وتُردُّ على صاحبها، كما تقدم في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ...»
ويحبط أعمال هذا المشرك، كما في قوله تعالى: ﴿لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65] وقال سبحانه: ﴿وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88]
ويستحق الخلود في النار، كما في قوله جل وعلا: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ﴾ [التغابن: 10] وقال سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا 64 خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا 65﴾ [الأحزاب: 64-65].
(عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك لعل الله أن يُخلِّصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: 48])
لا شك أن أهم ما يجب على المرء معرفته في التوحيد الذي به نجاته، ومعرفة الشرك الذي من وقع فيه ومات عليه فقد هلك، وخسر خسرانا مبينا؛ لأن الشرك هو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات عليه، أما ما دونه من كبائر الذنوب ففاعلها واقع تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه بعدله، وإن شاء غفر له برحمته وفضله.
(وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله جل وعلا في كتابه)
فهذه القواعد لم يأت بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من عنده، بل هي قواعد لها أدلتها من كتاب الله تعالى، وهذه طريقة الشيخ رحمه الله تعالى في رسائله وكتبه أنه يعتني بالاستدلال لما يقرره من الكتاب والسنة والأدلة المعتبرة، ففي هذه الرسالة المختصرة ذكر ستة عشر دليلا، منها خمس عشرة آية، وحديث واحد.
(القاعدة الأولى: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، والدليل قوله تعالى: ﴿قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31]).
معنى هذه القاعدة أن توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بأفعاله من الخلق والرزق والتدبير والملك ونحو ذلك لا يكفي وحده للدخول في الإسلام، والنجاة من الخلود في النار، بل لا بد معه من توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، بدليل أن كفار قريش الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بربوبية الله جل وعلا، وأنه الخالق المالك المدبر، ومع ذلك لم ينفعهم هذا الإقرار وحده، ولم ويدخلهم في الإسلام بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح دمائهم وأموالهم، والدليل على إقرارهم بالربوبية الآية التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى، ويدل لذلك أيضا قوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ﴾ [الزخرف: 87] وقوله سبحانه: ﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ﴾ [الزخرف: 9].
فدل هذا على أن التوحيد ليس هو الإقرار بالربوبية فقط، وأن الشرك ليس هو الشرك في الربوبية فقط، بل إنه ليس هناك أحد أشرك في الربوبية إلا قليل جداً كفرعون فشركه في الربوبية شرك تعطيل كما أخبر الله تعالى عنه في قوله: ﴿فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ [النازعات: 24].
وعلماء الكلام يقولون إن التوحيد هو الإقرار بتوحيد الربوبية، ويقررون ذلك في عقائدهم، فيقولون التوحيد هو أن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له. وهذا هو توحيد الربوبية، وهذا الاعتقاد منهم غلط، فمن اعتقد هذا الاعتقاد ما زاد على اعتقاد كفار قريش شيئاً.
(القاعدة الثانية: أنهم يقولون ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة ...)
معنى هذه القاعدة أن المشركين لم يشركوا في الربوبية وإنما أشركوا في الألوهية فهم لم يقولوا إن هذه الآلهة تخلق وتنفع وتضر وترزق ..... إلخ، وإنما توجهوا لغير الله تعالى ودعوهم لأجل أمرين:
1- أن يقربهم هؤلاء المعبودون إلى الله تعالى، كما قال سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3] والمراد بالزلفى أي القربى، فغرضهم من عبادة هذه الآلهة أن تكون الآلهة سببا يقربهم إلى الله تعالى، ونيل المنزلة عنده، ومع ذلك فقد كفرهم الله في آخر الآية فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ﴾ [الزمر: 3].
2- أن يشفعوا لهم عند الله تعالى كما في قوله تعالى: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [يونس: 18] [يونس: ١٨].
وقوله: ﴿شُفَعَٰٓؤُنَا﴾ [يونس: 18] الشفعاء: جمع شفيع، وهو من يتوسط لشخص عند آخر لجلب نفع أو دفع ضر.
والمعنى أن هؤلاء الكفار يعبدون هذه الآلة لأجل أن تشفع لهم عند الله تعالى، وتطلب من الله تعالى لهم ما يريدون من جلب نفع أو دفع ضر؛ لأن هذه الآلهة مقربة عند الله تعالى، والله لا يردُّ شفاعتهم، كما يزعمون.
فهم كانوا يعبدون هذه الآلهة لا على أنها آلهة استقلالاً، أي لم يكونوا يطلبون منها قضاء حوائجهم؛ لأنهم يقرون بأنها لا تنفع ولا تضر، وإنما كانوا يعبدونها على أنها تقربهم إلى الله تعالى، وتشفع لهم عنده في حوائجهم.
فهذه عقيدة المشركين الذي كفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل من اعتقد هذا الاعتقاد من المتأخرين فهو مشرك، كما هو الحال في كثير من عباد القبور.
وقول الشيخ رحمه الله تعالى في هذه القاعدة: (ما دعوناهم وتوجهنا إليهم) المراد بالدعاء ما يشمل دعاء العبادة والمسألة.
فدعاء العبادة:
ودعاء المسألة:
وهذه القاعدة فيها رد على من زعم أن الشرك أن تعبد من تعتقد فيه الربوبية، فعنده أن الاستغاثة بالصالحين تجوز ما دام المستغيث بهم لا يعتقد فيهم الربوبية، بل يعتقد أنه لا يملك نفعاً ولا ضراً، فهذا عنده ليس بشرك فبين الشيخ في هذه القاعدة أن كفار قريش لم يكونوا يعتقدون في آلهتهم النفع والضر استقلالاً وإنما صرفوا لها العبادة لأجل القربة والشفاعة فكانوا بذلك مشركين.
(والشفاعة شفاعتان شفاعة منفية، وشفاعة مثبتة، فالشفاعة المنفية ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ....)
أراد الشيخ رحمه الله تعالى أن يبين أن دعاء هؤلاء المشركين لآلهتهم وطلبهم الشفاعة منها مع كونه شركا فإنه أيضاً لا ينفعهم، ولا يحصل به مقصودهم من الشفاعة.
والشفاعة هَيَ التَّوسُّطُ للغيرِ بجلبِ منفعةٍ لَهُ، أو دفعِ مضرَّةٍ عنْهُ، وهِيَ على نوعينِ:
والشفاعة المنفية هي ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
ويدخلُ في الشفاعةِ المنفيَّةِ طلبُ الشفاعةِ مِن الأمواتِ فإنَّها شفاعةٌ باطلةٌ لا تنفعُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يرضى عنْ أصحابِها، ولا يأذنُ بالشفاعةِ لهمْ.
(والشافع مكرمٌ بالشفاعة) وإكرامه سبحانه للشافع من وجهين: 1- إكرام الشافع بقبول شفاعته. 2- ظهور جاهه وشرفه عند الله تعالى.
(والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن كما قال تعالى: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦ﴾ [البقرة: 255])
الشفاعة لا تكونُ إلا لأهلِ التوحيدِ، الذينَ رضيَ اللهُ عنهمْ، ولا تكونُ إلا بعدَ إذْنِ اللهِ تعالى للشافعِ أنْ يَشْفعَ، ورضاهُ عن المشفوع له، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيًۡٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ﴾ [النجم: 26]، الإذن للشافع أن يشفع، والرضى عن المشفوع له.
وقال سبحانه: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦ﴾ [البقرة: 255] وقال تباركَ وتعالى: ﴿يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا﴾ [طه: 109].
والشفاعة هي طلب الدعاء، وإذا كانت الشفاعة هي الطلب صارت الشفاعة من أنواع الدعاء فصار فيها دعوة غير الله تعالى وهو من الشرك الأكبر، فطلب الشفاعة من غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله – يعني من الأموات ونحو ذلك – فإنها شرك أكبر لأنها دعاء والدعاء يجب أن يكون خالصاً لله تعالى.
والمقصود بنفي الشفاعة أي منع حصولها وهي التي يطلب فيها من غير الله تعالى شيء لا يقدر عليه إلا الله.
وكذلك يدخل في الشفاعة المنفية الشفاعة لمن لم يأذن الله في الشفاعة له كالكفار والمشركين، وكذلك يدخل فيها الشفاعة ممن لم يأذن الله له بالشفاعة.
فالشفاعة المثبتة لا بد فيها من شرطين:
وفي هذه القاعدة من الفوائد أن النية الطيبة لا تكفي وحدها بل لا بد معها من الاتباع لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن هؤلاء المشركين كانوا يريدون القربة إلى الله عز وجل بطريق طلب الشفاعة الشركية فلم ينتفعوا بها بل كان ذلك سبباً لشركهم.
(القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عبادتهم، منهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم)
أراد المؤلف رحمه الله تعالى بهذه القاعدة أن يبين أن الشرك هو صرف العبادة لغير الله تعالى كائناً من كان، سواء أكان مَن صرفت له العبادة من الملائكة أم الأنبياء أم الصالحين أم الأشجار أم الأحجار أم الشمس أم القمر، أم غيرهم، وذلك لعموم قوله تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡٔٗا﴾ [النساء: 36] فكلمة ﴿شَيۡٔٗا﴾ [النساء: 36] نكرة في سياق النهي، فتعم كل شيء يُشرك به مع الله تعالى.
ومما يدل على بطلان الشرك أن أهله متفرقون لا يجتمعون على معبود واحد كما قال سبحانه: ﴿ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ﴾ [يوسف: 39] بخلاف أهل التوحيد فهم يعبدون رباً واحداً لا شريك له لكونهم يسيرون على أصل صحيح مستقى من النصوص الشرعية أما أهل الشرك فهم يتبعون أهوائهم ولهذا ضلوا عن الصراط المستقيم.
فالنبي r بُعث إلى أناس من المشركين متفرقين في معبوداتهم، ومع ذلك قاتلهم جميعاً ولم يفرق بينهم، حيث قاتل كفار قريش الذين عبدوا الأصنام، وقاتل اليهود الذين يعبدون عزيراً، وقاتل النصارى الذين يعبدون المسيح نبي الله عليه السلام، وقاتل من عبد الأولياء والملائكة عليهم السلام، واستباح دماءهم وأموالهم.
(والدليل قوله تعالى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: 39])
هذا دليل على قتال المشركين جميعاً من غير تفريق بينهم بحسب معبوداتهم؛ لأنه سبحانه قال: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ﴾ [الأنفال: 39] والضمير يعود على من أشرك مع الله تعالى كائناً من كان.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ﴾ [الأنفال: 39] الفتنة هنا الشرك، أي حتى لا يكون شرك، وكلمة (شرك) نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، أي حتى لا يوجد شرك، سواء كان الشرك بالأولياء أو بالأحجار والأشجار أو بالشمس والقمر أو بغير ذلك لأنه يصدق على الجميع أنه شرك.
وقوله تعالى: ﴿وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: 39] أي تكون العبادة لله وحده، لا يشاركه فيها أحد كائناً من كان.
وهذه القاعدة فيها ردٌّ على مَن يقول: إن الشرك هو عبادة الأصنام والأحجار والجمادات فقط، فالذي يعبد رجلاً صالحاً أو ملَكاً لا يكون ذلك منه شركاً، والذين يتقربون أصحاب القبور بأنواع العبادات ليسوا مشركين؛ لأن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هم عُبِّاد الأصنام، فردَّ الشيخ رحمه الله تعالى عليهم بهذه القاعدة؛ ليبين بطلان ذلك، وأنه لا فرق بين من يعبد الأصنام ومن يعبد الصالحين والملائكة وغيرهم.
(ودليل الشمس والقمر قوله تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ [فصلت: 37])
دلت هذه الآية على أن عبادة الشمس والقمر موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هناك من يعبدها، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ سداً لذريعة عبادتها؛ لأن هناك من يسجد لها عند طلوعها وعند غروبها، فنهينا عن مشابهتهم في ذلك، وإن كنا نصلي لله تعالى، سداً لذريعة الشرك، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالنهي عن الشرك وعن ذرائعه التي توصل إليه.
(ودليل الملائكة قوله تعالى: ﴿وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ يَقُولُ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَهَٰٓؤُلَآءِ إِيَّاكُمۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ 40 قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ 41﴾ [سبأ: 40-41]).
أي أن الله عز وجل يجمع الكفار، ثم يقول للملائكة عليهم السلام: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون في الدنيا؟ فتتبرأ منهم الملائكة عليهم السلام، وينزهون الله تعالى عن الشرك، ويقولون: ﴿بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّ﴾ [سبأ: 41] أي يطيعون الشياطين، الذين زينوا لهم عبادة الملائكة ﴿أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ﴾ [سبأ: 41] أي مصدقون للشياطين.
ودلت الآية على وجود من يعبد الملائكة عليهم السلام.
وفي الدرر السنية (2/100) كان من العرب - وهم بنو ملح - من يتعلق بالملائكة يطلبون شفاعتهم.
وفي بعض نسخ هذه الرسالة: (ودليل الملائكة قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّۧنَ أَرۡبَابًا﴾ [آل عمران: 80])
أي أنه سبحانه لا يأمركم بعبادة غير الله تعالى لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، فدل على أن من الناس من اتخذ النبيين والملائكة أربابا من دون الله عز وجل.
(ودليل الأنبياء قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: 116]).
فتبرأ عليه السلام من عبادتهم له ولأمه، وفيه دليل على وجود من يعبد الأنبياء عليهم والسلام والصالحين، لأن أمه مريم بنت عمران رحمها الله تعالى ليست نبيه، وإنما من الصالحات، ومن خير النساء.
فالنصارى كانوا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة. تعالى الله عن قولهم علوا عظيما. فجعلوا المستحقين للعبادة ثلاثة: الله عز وجل، وعيسى عليه السلام، وأمه مريم رحمها الله تعالى.
(ودليل الصالحين قوله تعالى: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا 56 أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا 57﴾ [الإسراء: 56-57])([2]).
قيل نزلت هذه الآية فيمن يعبد عيسى وعزيراً والملائكة عليهم السلام، فأخبر سبحانه وتعالى أن المسيح وعزيراً والملائكة عليهم السلام كلهم عباد لله، يتقربون إليه ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فهم محتاجون إلى الله تعالى مفتقرون إليه فدل على أنهم لا يصلحون لأن يكونوا آلهة تعبد من دون الله؛ لأنهم بشر يدعون الله تعالى ويرجون رحمته ويخافون عذابه.
ذكر ابن كثير في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57] قال: كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة والمسيح وعزيراً وهم الذين يدعون، يعني الملائكة والمسيح وعزيراً.
والقول الثاني: أن سبب نزولها ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57] قَالَ: "نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَنَزَلَتْ: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57]. رواه البخاري 4714، ومسلم 3030، واللفظ له.
فهؤلاء الذين كانوا يُعبدون من دون الله أسلموا وصاروا يتقربون إلى الله تعالى بالطاعة ويرجون رحمته ويخافون عذابه فهم محتاجون لربهم فقراء إليه فلا يستحقون شيئاً من العبادة.
وعزير مختلف فيه، هل هو نبي أو لا؟ قال ابن كثير في البداية والنهاية 2/389: (الْمَشْهُورُ أَنَّ عُزَيْرًا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ كَانَ فِيمَا بَيْنَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، وَبَيْنَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى).
وعليه فيكون الاستدلال بالآية على القول الأول أن الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام هم أصلح الخلق، فيصح الاستدلال بها على عبادة الصالحين، ويمكن أن يكون الاستدلال بها من جهة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهي تعم كل من عُبد من دون الله تعالى ممن يرجو الله ويدعوه ويخاف عذابه، فيدخل في ذلك الصالحون من غير الأنبياء عليهم السلام.
ومما يدل على وجود عبادة الصالحين ما تقدم من عبادة النصارى لمريم رحمها الله تعالى، وما سيأتي من عبادة المشركين للات، وهو رجل صالح كان يلت السويق للحاج.
ومعنى قوله: ﴿يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: 57] أي يتقربون إليه بالطاعة.
والوسيلة في اللغة: الشيء الذي يوصل إلى المقصود. فالذي يوصل إلى رضى الله تعالى وجنته هو الوسيلة المشروعة.
أما أهل الشرك فقالوا: إن الوسيلة هي أن تجعل بينك وبين الله واسطة من الأولياء والصالحين والأموات ليقربوك إلى الله تعالى ويرفعوا حاجاتك إليه كما في قوله تعالى عنهم: ﴿مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3] كأن الله تعالى لا يعلم بحاجة عباده إلا عن طريق هؤلاء الوسطاء أو كأنه تعالى وتقدس بخيل لا يعطي إلا بعد ما يُلَح عليه بالوسطاء – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – واتخاذ الوسائط على هذا المفهوم وسيلة شركية وهي التي اتخذها المشركون من قبل كما قال الله تعالى: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبُِّٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [يونس: 18]
(ودليل الأحجار والأشجار قوله تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ 19 وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ 20﴾ [النجم: 19-20]).
أَفَرَأَيْتُمُ: استفهام المراد به الاستخفاف والاستهجان بهذه الأصنام والمعنى: أخبروني ما شأنها وما حالها.
اللَّاتَ: قرأ الجمهور بتخفيف التاء، وعليه فيكون مشتقاً من الإله، فهم سموا اللات من اسم الله تعالى (الإله)
واللاتّ بالتشديد قرأ بها ابن عباس رضي الله عنهما وغيره فتكون اسم فاعل من اللت.
واللات صخرة بيضاء منقوش عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة وحوله فناء معظم عند ثقيف وهم أهل الطائف.
وقال ابن عباس: كان رجلاً يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره([3]).
ولا منافاة بين القولين فإنهم عبدوا الصخرة والقبر تألهاً وتعظيماً.
وقيل: إنه كان يلت السويق عند صخرة فلما مات عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاماً لصاحب السويق.
والعزَّى: شجرة أو شجرات من السَّلَم عليها بناء أو أستار بمكان يقال له نخله بين مكة والطائف كانت قريش تعظمها وهي مشتقة من اسم الله العزيز، وفيها شياطين يكلمون الناس ويظن الجهال أن هذه الشجرات هي التي تكلمهم.
ومناة: صخرة كبيرة كانت بالمشلَّل عند قُديد بين مكة والمدينة وكانت خزاعة والأوس والخزرج يعظمونها ويُهلون منها للحج، وهي مشتقة من اسم الله تعالى المنان، وقيل لكثرة ما يُمنى أي يراق عندها من الدماء للتبرك بها.
وقوله: ﴿وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ﴾ [النجم: 20] أي المتأخرة الذميمة الحقيرة.
ولما فتح رسول الله r مكة أرسل المغيرة وأبا سفيان رضي الله عنهما إلى اللات فهدماها، وأرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العزى فهدمها وقطع الأشجار، وأرسل علياً رضي الله عنه إلى مناة فهدمها.
فهذه الآية فيها دليل على وجود من يعبد الأشجار والأحجار.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله تعالى حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞ﴾ [الأعراف: 138]». رواه الترمذي2180، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الإمام أحمد21897، وابن أبي عاصم في السنة 76، وصححه الألباني.
حنين: موضع بين الطائف ومكة، وقعت فيه الغزوة المشهورة، وكانت بعد فتح مكة.
حدثاء عهد بكفر: أي أنهم أسلموا قريبا. وفي رواية ابن أبي عاصم: (وكانوا أسلموا يوم الفتح)
سدرة: شجرة سدر، وهو النبق. وفي رواية الإمام أحمد: (فمررنا بسدرة خضراء عظيمة)
وينوطون بها أسلحتهم: أي يعلقونها بها.
ذات أنواط: أي ذات تعاليق، من النوط وهو التعليق. يعلقون بها أسلحتهم للتبرك بها.
ففي هذا الحديث أن هناك من كان يعبد الأشجار كما فعل هؤلاء المشركين حيث كانوا يعكفون على هذه الشجرة ويتبركون بها، والعكوف هو البقاء عندها مدة تقرباً إليها.
وفيه خطر الجهل بالتوحيد وما يضاده من الشرك فإن الجاهل بذلك قد يقع في الشرك من حيث لا يشعر.
وفيه خطر التشبه بالمشركين وأنه قد يؤدي بصاحبه إلى الشرك.
وفيه أن فضلاء الناس قد يقعون في الشرك أو يستحسنونه وهم لا يشعرون كما وقع من الصحابة رضي الله عنهم حديثي العهد بالكفر.
وفيه أن المرء إذا قال كلمة الكفر غير عالم بكونها كفراً ولا قاصداً لذلك أنه لا يكفر.
وهؤلاء الصحابة y لم يقع منهم الشرك لأنهم انتهوا بمجرد ما نهاهم النبي r.
(القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة والدليل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ﴾ [العنكبوت: 65]).
أي أن المشركين في زمان الشيخ رحمه الله تعالى، بل وإلى زماننا هذا، الذين يصرفون شيئاً من العبادة لغير الله تعالى كالصالحين من المقبورين وغيرهم هم أعظم شركاً وأشد كفراً من المشركين الأولين، أي المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الأولين كانوا يشركون في حال الرخاء فقط، وأما في الشدة فقد كانوا يخلصون الدعاء لله تعالى، ويعلمون أنه لا ينجيهم غيره، وأن آلهتهم لا تغني عنهم شيئاً ، كما في الآية التي ذكر المؤلف رحمه الله تعالى، وكما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67].
وكون المشركين يخلصون في حال الشدة، هذا باعتبار أنهم لم يشركوا مع الله غيره في دعائهم، وإلا فهذا الإخلاص لا ينفعهم، لأنهم باقون على شركهم حال الرخاء، لم يتوبوا منه، والإخلاص مع الشرك في الألوهية لا ينفع صاحبه كما في قوله تعالى: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
أما مشركو زماننا فيشركون في الرخاء والشدة كما هو الحال عند قبر الحسين وقبر السيدة زينب وقبر البدوي وغيرهم.
وفي هذه القاعدة أن الشرك ولو كان يقع من صاحبه في الرخاء فقط دون الشدة فإنه يحكم عليه بالشرك، ولا يلزم أن يشرك في جميع الأحوال والأزمنة ليطلق عليه لفظ الشرك.
وفيها أن الشرك بعضه أعظم من بعض، فشرك المتأخرين من أهل زماننا أعظم من شرك الأولين، ومن الوقائع لذلك عند المتأخرين، ما جاء في رحلة الصديق إلى البلد العتيق ص 164، للشيخ صديق حسن خان القنوجي رحمه الله تعالى، وهو من علماء الهند، فقد ذكر أن من العجائب أنهم لما كانوا في السفينة في سفرهم للحج كان الملاحون إذا خافوا على المركب هتفوا باسم الشيخ عيدروس وغيره من المخلوقين مستغيثين ومستعينين به، ولم يكونوا يذكرون الله أبداً، قال: وكنت إذا سمعتهم ينادون غير الله خفت على المركب خوفاً عظيماً من الهلاك، ثم ذكر حال المشركين من الإخلاص في الشدة، وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم مسلمين يدعون في الشدة غير الله تعالى، وكان حجه سنة 1285 هـ.
وما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في هذه القاعدة هو أحد وجوه كون هؤلاء المشركين في زماننا أشد شركاً من الأولين،
وهناك وجوه أخرى، ذكرها بعض أهل العلم، منها:
1- أن المشركين الأولين يشركون مع الله أناساً صالحين، كما هو الحال مثلاً في (اللات) رجل صالح كان يلت السويق([4]) للحاج، أما المشركون في هذه الأمة فيشركون مع الله تعالى أناساً صالحين وغير صالحين كما هو الحال في أحمد البدوي فهو من أعظم الآلهة التي تعبد من دون الله بمصر، وهو ممن لا يعرف له أصل ولا فضل ولا علم ولا عبادة، كما قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى([5])، وابن عربي الصوفي صاحب وحدة الوجود، الذي كفَّره جماعة من العلماء، فله ضريح بالشام، يقصد ويعبد من دون الله تعالى.
2- أن كفار قريش قد أقروا بالربوبية دون الألوهية، وبعض مشركي هذه الأمة جمعوا بين الشرك في الربوبية والألوهية كما هو الحال عند غلاة الصوفية وبعض عباد القبور فيعتقدون أن آلهتهم لها التصرف في الكون وتعلم الغيب.
3- أن كفار قريش يعلمون معنى لا إله إلا الله ولهذا لم ينطقوا بها، ومشركو هذه الأمة لا يعلمون معناها الصحيح، ولذا فسرها كثير منهم بالربوبية.
4- أن كفار قريش لا ينكرون من الأسماء والصفات إلا اسم الرحمن خاصة كما ذكره الشيخ سليمان بن عبد الله رحمهما الله تعالى([6])، أما المشركون في هذه الأزمنة فمنهم من ينكر الأسماء والصفات كلها كغلاة الجهمية.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([1]) تنبيه: هذا الشرح مستفاد من عدة شروح لهذه الرسالة لأهل العلم جزاهم الله خيراً، ومن مراجع أخرى، ولم يُراعَ فيه التوثيق العلمي؛ لأن الغرض ابتداءً لم يكن لنشر هذا الشرح، وإنما تم إخراجه بهذه الصورة للتيسير على طلاب العلم في برنامج دليل، والله الموفق.
([2]) في بعض نسخ هذه الرسالة: (ودليل الصالحين قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ﴾).
([3]) في صحيح البخاري (4859) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: ﴿ٱللَّٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ﴾: «كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الحَاجِّ».
([4]) السويق: هو عبارة عن الشعير يحمَّص، ثم يُطحن، ثم يخلط بتمر أو شبهه، ثم يؤكل. ينظر: القول المفيد على كتاب التوحيد 1/426.
([5]) ينظر: قرة عيون الموحدين ص106، وينظر كلام الشيخ محمد حامد الفقهي عن البدوي في تحقيقه لفتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن ص160.
([6]) ينظر: تيسير العزيز الحميد ص19.