بسم الله الرحمن الرحيم
شرح شروط الصلاة وأركانها وواجباتها للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى([1])
برنامج «دليل» بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية بالرياض
ربيع الآخر 1446هـ
الحمد لله ... أما بعد.
التعريف برسالة: شروط الصلاة وأركانها وواجباتها.
هي رسالة مختصرة في بيان شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، يحتاجها كل مسلم، وتناسب العامة وطلاب العلم، سار فيها الشيخ على مذهب الحنابلة.
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في مقدمة شرحه لهذه الرسالة: (فهذه رسالة كان العلماء يعلمونها الناس، والجماعة في المساجد مع الأصول الثلاثة؛ حتى يتفقهوا في أصول دينهم، وفي صفة الصلاة، وأركانها، وواجباتها؛ لأن كل مسلم محتاج إلى ذلك).
أهمية الرسالة:
1- أنها تتعلق بأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهو الصلاة، التي هي صلة بين العبد وربه، والتي فرضها الله تعالى على هذه الأمة من فوق سبع سماوات.
2- أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فضلا عن النوافل من الرواتب وغيرها، فكانت العناية بها وتكرار مسائلها في غاية الأهمية لكل مسلم، فضلا عن طالب العلم.
3- أن التهاون بالصلاة أمره عظيم، وذلك أن ترك الصلاة كفر، فإن كان الترك جحودا، فهو كفر بإجماع أهل العلم، كما لو قال: ليست الصلاة بواجبة على المسلم المكلف. فإنه يكون مرتدا، ولو فعلها. وحكى الإجماع على كفره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في السياسة الشرعية ص41، قال رحمه الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ جَحَدَ الْوُجُوبَ فَهُوَ كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ).
فإن كان جحده لوجوبها بسبب جهله عُرِّف بالوجوب، فإذا علم وجوبها وأصرَّ على جحده فقد ارتد عن الإسلام؛ لأنه مكذب لله، ولرسوله ﷺ، ولإجماع الأمة، فصار كمن اعتقد حل الزنى، أو الخمر، أو أكل لحم الخنزير.
وإن كان الترك تهاونا وكسلا فإنه يكفر على الراجح من قولي أهل العلم؛ لما روى الإمام الترمذي (2621) عن بريدة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» وصححه الألباني.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ» رواه مسلم (82).
قال النووي في شرح مسلم 2/71: (الذي يمنع كفره كونه لم يترك الصلاة، فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل بل دخل فيه).
وعَنْ عبد الله بن شقيق العُقَيلي -وهو من التابعين- رحمه الله تعالى قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ» رواه الترمذي (2622) وصححه الألباني.
قال الشوكاني في نيل الأوطار 1/363: (وَالظَّاهِرُ مِنْ الصِّيغَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ» جَمْعٌ مُضَافٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُشْعِرَاتِ بِذَلِكَ).
وقال ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/924: (ثُمَّ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِكْفَارِ تَارِكِهَا وَإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ مِنَ الْمِلَّةِ وَإِبَاحَةِ قِتَالِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ إِقَامَتِهَا، ثُمَّ جَاءَنَا عَنِ الصَّحَابَةٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِئْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ عَنِ الصَّحَابَةٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي إِكْفَارِ تَارِكِهَا وَإِيجَابِ الْقَتْلِ عَلَى مَنِ امْتَنَعَ مِنَ إِقَامَتِهَا)
وقال أبو عبد الله ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة 2/929: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ، يَقُولُ: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ كَافِرٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا كَافِرٌ، وَذَهَابُ الْوَقْتِ أَنْ يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ).
وممن حكى إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- ابن القيم في كتاب الصلاة وحكم تاركها ص54 حيث قال بعد ذكر أثر عمر -رضي الله عنه-: (لا إسلام لمن ترك الصلاة).
وفي سياق آخر: (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) ... قال: (فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة ولا يعلم عن صحابي خلافهم).
عناية العلماء بهذه الرسالة:
اعتنى العلماء بهذه الرسالة، فقد شرحها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، في شريط واحد، وتم تفريغه من قبل الشيخ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى، وطبعه بعنوان: الشرح الممتاز لسماحة الشيخ الإمام ابن باز.
والشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى، وشرحه مطبوع.
والشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى، وشرحه مطبوع.
وأما تحقيق الرسالة فقد حققت ضمن مجموع رسائل الشيخ (الجزء 3)، وقام بتحقيقها الشيخ عبد العزيز الرومي والشيخ صالح الحسن.
كما حققها الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني رحمه الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
ابتدأ هذه الرسالة بالبسملة اقتداء بكتاب الله عز وجل، فإنه مُبتَدأٌ بالبسملة.
واقتداء بالنبي ﷺ فإنه كان يبتدئ كتبه بالبسملة كما في كتابه لهرقل في الصحيحين.
وقوله: بسم. جار ومجرور متعلق بمحذوف، يقدر بفعل متأخر مناسب للمقام. فيكون التقدير هنا: بسم الله أكتب، أو أؤلف.
والاسم مشتق من السمو وهو العلو، أو من السمة وهي العلامة.
بسم الله: يعم كل اسم من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم مفرد مضاف للفظ الجلالة، والمفرد المضاف يفيد العموم، فمعنى قوله بسم الله: أي بكل اسم من أسماء الله الحسنى.
والباء في بسم الله: للاستعانة، أي أكتب مستعينا باسم الله، وقيل للمصاحبة أي أن اسم الله يصحبه من أول الفعل إلى آخره.
الله: لفظ الجلالة عَلَم على الذات العليَّة لا يُسمى به غيره. وهو أعرف المعارف.
ومعناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.
والرحمن: اسم من أسماء الله تعالى لا يطلق على غيره، يدل على صفة الرحمة، وهذه الصفة كغيرها من صفات الله تعالى معلومة المعنى لنا، لكن الكيفية غير معلومة.
الرحيم: اسم لله تعالى، يدل على صفة الرحمة.
والفرق بين الرحيم والرحمن:
(شروط الصلاة تسعة:)
الشروط جمع شرط، وهو لغة: العلامة.
وعند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
فمثلا: الطهارة شرط لصحة الصلاة، فيلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة ولا عدمها بالنظر إلى ذات الشرط وهو الطهارة([2]).
والصلاة في اللغة الدعاء، قال تعالى: (وصل عليهم) أي ادع لهم. وفي الصحيح أن النبي ﷺ كان إذا أُتي بصدقة قوم صلَّى عليهم. أي دعا لهم.
وفي الشرع: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
وشروط الصلاة: ما يتوقف عليها صحتها، إن لم يكن عذر.
الفروق بين شروط الصلاة وأركانها:
1- أن الشرط يكون قبل الصلاة، والركن داخلها.
2- أن الركن تتركب منه ماهية الصلاة بخلاف الشرط.
3- أن الشرط يجب استصحابه من أول الصلاة إلى آخرها، بخلاف الركن فإنه ينقضي ويأتي غيره.
وقوله: (شروطُ الصلاة تسعةٌ) هذا الحصر بالاستقراء من الفقهاء.
(الإسلامُ والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية)
والثلاثة الأولى: الإسلام والعقل والتمييز، هذه الثلاثة شروطٌ لصحة كل عبادة.
ويستثنى من ذلك الحج، فإنه يصح من غير المميز، ولو ابن ساعة، ويُحرِم عنه وليه.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله تعالى هذه الشروط مجملة ثم فصل فيها بقوله:
(الشرط الأول: الإسلام، وضده الكفر، والكافر عمله مردود، [ولا تقبل الصلاة إلا من مسلم، والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾]([3]) والكافر عمله مردود، ولو عمل أي عمل، والدليل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا﴾).
هذا الشرط الأول من شروط صحة الصلاة، وهو الإسلام، فلا تصح الصلاة من كافر بالإجماع؛ لأن عمله باطل، للآيات التي ذكرهما الشيخ رحمه الله تعالى، ولقوله جل وعلا: ﴿وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ﴾
ولأن الكافر لا تصح النية منه، لفقد شرطها وهو الإسلام.
وأيضا لا تجب الصلاة على الكافر، أي لا يجب عليه أداؤها حال كفره، ولا قضاؤها بعد إسلامه؛ لأنه قد أسلم كثير من الكفار في عصر النبي ﷺ وبعده، ولم يؤمروا بقضاء.
ويعاقب الكافر على ترك الصلاة وعلى سائر فروع الإسلام؛ لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، لقوله تعالى: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين . . .).
(الثاني: العقل وضده الجنون؛ والمجنون مرفوع عنه القلمُ حتى يُفيق. والدليل الحديث: «رُفِع القلم عن ثلاثة: النائمُ حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ»).
أي ولا تصح الصلاة ممن لا يعقل كالمجنون، للحديث الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى.
والحديث أخرجه أبو داود في سننه من حديث علي -رضي الله عنه-.
وكذا الهرِم وهو الكبير الذي فقد الذاكرة لا تجب عليه الصلاة، ولا تصح منه لو صلى؛ لأنه لا يعقل النية، والصلاة لا تصح إلا بنية.
(الثالث: التمييز، وضده الصِّغَر: وحدُّه سبعُ سنين، ثم يؤمر بالصلاة لقوله ﷺ: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»).
أي أن التمييز شرط لصحة الصلاة، فمن كان صغيرا دون التمييز لم تصح صلاته.
وحد التمييز سبع سنين([4])، للحديث الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى.
ويؤمر الصغير المميز بالصلاة إذا بلغ سبع سنين أي أتمها، ويُضرب عليها إذا بلغ عشر سنين، أي أتمها.
وأمر الصغير المميز بالصلاة ليس على أنها واجبة عليه، لأنها لا تجب إلا بعد البلوغ، وإنما لأجل أن يعتاد عليها، ويسهل عليه فعلها إذا وجبت بالبلوغ.
والذي يأمره بالصلاة ويضربه عليها وليه، يفعل ذلك كلما دخل وقت صلاة مكتوبة ليعتادها، ذَكَرا كان الولد أو أنثى.
وسواء أكان الولي أبا أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضي أو أخا أو أما.
والدليل هذا الحديث الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى، وهو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ قال: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد، وأبو داود. وصححه الألباني في الإرواء 298.
ويشترط لصحة صلاة المميز ما يشترط لصحة صلاة الكبير، إلا في ستر العورة.
ولذا يلزم الولي تعليم المميز ما يحتاجه لصلاته، كطهارته من الحدث والنجس، وصفة الصلاة وشروطها وغير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في السياسة الشرعية ص41: (يَجِبُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَأْمُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعًا، وَيَضْرِبُوهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ، حَيْثُ قَالَ: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَكَذَلِكَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ وَنَحْوِهَا).
ويكون ثواب ما يفعله المميز من العبادة له من صلاة وغيرها؛ لقوله تعالى ﴿مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦ﴾.
فالصغير يُكتب له الحسنات التي يعملها، ولا يُكتب عليه السيئات التي يعملها.
ولقوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَا﴾
ولحديث المرأة التي رفعت صبيا للنبي ﷺ فقالت: ألهذا حج؟ قال: (نعم، ولك أجر) رواه مسلم.
ويلزم الولي كف الصغير عن المفاسد، فيعرَّف تحريم السرقة والكذب والغيبة ونحوها حتى ينشأ على الخير والبعد عن المحرمات؛ ودليله حديث: أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَخَذَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كِخْ كِخْ» لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» رواه البخاري 1491 ومسلم 1069. كخ: كلمة يزجر بها الصبي عن المستقذرات.
ويشترط في ضربه إذا بلغ عشرا أن لا يكون ضربا مبرحا.
وضرب البالغ إذا تركها من باب أولى.
(الشرط الرابع: رفع الحدث)
أي إزالة الوصف القائم بالبدن، المانع من الصلاة ونحوها مما تجب له الطهارة كمس المصحف والطواف.
والحدث حدثان أكبر وأصغر، ولا بد من رفعهما لتصح الصلاة؛ لأن وجود أي منهما يمنع من الصلاة ونحوها.
ودليل هذا الشرط قوله ﷺ: «لا يقبل الله صلاةً بغير طُهور» رواه مسلم.
والمراد بنفي القبول هنا أي نفي الصحة، فلا تكون مجزئة.
ولا يسقط شرط الطهارة بجهل ولا نسيان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى 22/99: (من نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا: فعليه أن يعيد الصلاة بطهارة بلا نزاع).
(وهو الوضوء المعروف) أي أن رفع الحدث يحصل بالوضوء المعروف.
والوضوء شرعا: استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
وفي فضل الوضوء أحاديث منها: قوله ﷺ: «الطُهور شطر الإيمان» رواه مسلم، وقوله ﷺ: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في الإرواء 412.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِبِلاَلٍ -عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ-: «يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ» قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يعني البخاري -: «دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ» رواه البخاري 1149، ومسلم 2458.
وفي رواية الترمذي 3689: فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بِهِمَا» وصححه الألباني.
(وموجبه الحدث) أي وسبب وجوب الوضوء هو الحدث، يعني أنه إذا أحدث وجب عليه الوضوء قبل الصلاة أو قبل فعل ما تجب له الطهارة.
(وشروطه عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها، بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب، واستنجاء أو استجمار قبله، وطهورية ماء، وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه).
(وشروطه عشرة) أي وشروط صحة الوضوء عشرة، بالاستقراء من الفقهاء.
الأول من شروط الوضوء: (الإسلام) لأن الكافر ليس من أهل النية.
الثاني: (والعقل) لأن المجنون لا نية له.
الثالث: (والتمييز) لأنه لما صحت صلاته لزم منه صحة وضوئه؛ لأنه شرط لصحتها.
الرابع: (والنية) لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه. أي لا عمل صحيح إلا بالنية.
ولأن الوضوء عبادة، ومن شرط صحة العبادة النية.
والنية لغة: القصد. والقصد: عزم القلب على الشيء.
وشرعا: العزم على فعل العبادة؛ تقربا إلى الله تعالى.
والنية شُرعت لتمييز العبادات عن العادات، كغسل أعضاء الوضوء قد يُراد به التعبد لله تعالى بالوضوء، وقد يُراد التنظف.
كما شُرعت النية لتمييز مراتب العبادات، كالصلاة تكون تارة فرضا وتارة نفلا.
ولا تشترط النية لطهارة الخبث أي إزالة النجاسة؛ لأنها من باب الترك.
ومحل النية القلب. لأنها من أعمال القلوب لا الجوارح.
وأما التلفظ بها فبدعة. قال ابن القيم في زاد المعاد 1/189: (ولم يكن يقول في أوله نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه البتة ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف)
وقوله: (واستصحاب حكمها، بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة) أي ويجب استصحاب حكم النية، وهو ألا ينوي قطع نية الوضوء حتى تتم الطهارة.
أما استصحاب ذكر النية فمستحب، أي يستحب أن يكون ذاكرا للنية في جميع الطهارة.
الخامس: (انقطاع موجب) أي يشترط لصحة الوضوء انقطاع ما يوجب الوضوء من النواقض قبل ابتداء الوضوء.
فلا يصح مثلا أن يبدأ الوضوء قبل فراغ خروج الريح.
السادس: (واستنجاء واستجمار قبله) الاستنجاء: إزالة خارج من سبيل بالماء.
والاستجمار: إزالة حكم الخارج من سبيل بحجر ونحوه، كمنديل.
فيشترط لصحة الوضوء أن يكون قد استنجى أو استجمر بعد قضاء حاجته، ثم يتوضأ.
السابع: (وطهورية ماء) لأنه لا يرفع الحدث غيره.
الثامن: (وإباحته) فلا يصح الوضوء بمغصوب ومسروق ونحوه مما يحرم استعماله([5])، لقوله ﷺ: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
التاسع: (وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة) أي إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، كالشمع والبوية واللواصق التي تمنع وصول الماء إلى البشرة؛ فيجب إزالته ليحصل الإسباغ المأمور به، بخلاف أثر الحناء ونحوه من كل ما لا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
ومما يمنع وصول الماء ما يعرف عند النساء بالمناكير، أو بعض الصبغات للشعر التي لها جرم تمنع وصول الماء.
العاشر: (ودخول وقتٍ على مَن حدثه دائم لفرضه) كمن به سلسل بول، وكذا المستحاضة، فيشترط لصحة وضوء هؤلاء دخول وقت الصلاة التي يُراد الوضوء لها، لقول النبي ﷺ للمستحاضة: (توضئي لكل صلاة) رواه أبو داود 298، وصححه الألباني.
قال رحمه الله تعالى:
(«وأما فروضه» فستة: غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، وحدُّه طولا من منابت شعر الرأس إلى الذَّقْن، وعرضا إلى فروع الأذنين، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس، ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة. والدليل قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ﴾ الآية. ودليل الترتيب الحديث: «ابدؤوا بما بدأ الله به». ودليل الموالاة حديث صاحب اللُمعة عن النبي ﷺ: أنه لما رأى رجلا في قدمه لُمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره بالإعادة).
قوله: (وأما فروضه فستة) هذا أيضا بالاستقراء من الفقهاء.
الفروض جمع فرض، ومعناه في اللغة: الحز والقطع.
وشرعا: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه بلا عذر.
(ستة) أربعة منها دل عليها القرآن في آية المائدة، واثنان دلت عليهما السنة.
الأول: (غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، وحدُّه طولا من منابت شعر الرأس إلى الذَّقْن، وعرضا إلى فروع الأذنين)
لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ﴾
قوله: (ومنه المضمضة والاستنشاق) أي من الوجه، فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى.
لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوئه ﷺ وفيه: فمضمض واستنثر. متفق عليه.
ولأبي داود: «إذا توضأت فمضض» وصححه الألباني.
ولأن كل من وصف وضوء النبي ﷺ على الاستقصاء لم يقل إنه ترك الاستنشاق ولا المضمضة، وفعله ﷺ إذا خرج بيانا كان حكمه حكم ذلك المبيَّن.
وهما داخلان في غسل الوجه المأمور به؛ لأن الفم والأنف في حكم الظاهر، بدليل أن الصائم لا يفطر بإدخال الماء فيهما.
والمضمضة تكون باليد اليمنى، وكونها قبل غسل الوجه هذا هو السنة، ويتسوك حال المضمضة.
والاستنشاق باليد اليمنى، ويستنثر أي يخرج ما في أنفه من الأذى بيساره.
والسنة فعل المضمضة والاستنشاق ثلاثا، والواجب من ذلك مرة واحدة.
وحدُّ الوجه طُولاً من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللَّحيين والذَّقَن، واللحيان: هما العظمان اللذان في جانبي الوجه. والذقن هو مجمع اللحيين.
وحدُّه عرضا من الأذن إلى الأذن.
وإنما كان هذا حد الوجه لأنه الذي تحصل به المواجهة.
الثاني: (وغَسل اليدين إلى المرفقين)
أي وغسل اليدين مع المرفقين؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ﴾ وفسرها النبي ﷺ بفعله حيث غسل المرفقين في الوضوء.
الثالث: (ومسح جميع الرأس)
أي ومسح الرأس كلِّه لقوله تعالى: ﴿وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ﴾ وقد فسره ﷺ بفعله فمسح جميع الرأس.
فيمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه - أي من منابت شعر الرأس المعتاد - إلى قفاه.
(ومنه الأذنان) أي أن الأذنين من الرأس، فيجب مسحهما([6])، لقوله ﷺ: «الأذنان من الرأس». رواه ابن ماجه. وصححه في الإرواء 84.
وصفة مسحهما: أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما.
الرابع: (وغَسل الرجلين إلى الكعبين)
أي وغسل الرجلين مع الكعبين؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِ﴾ وفسره ﷺ بفعله فغسل الرجلين مع الكعبين.
ولقوله ﷺ: «ويل للأعقاب من النار» رواه مسلم.
والكعبان: هما العظمان الناتئان في جانبي كل رِجل.
الخامس: (والترتيب)
أي الترتيب بين الأعضاء؛ للحديث الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى: «ابدؤوا بما بدأ الله به»
وقد ذكر الله تعالى أعضاء الوضوء مرتبة في آية المائدة.
ولأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات في آية الوضوء، ولا يُعلَم لهذا فائدة غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب، ولهذا لم تذكر فيها سنن الوضوء.
ولم يتوضأ رسول الله ﷺ إلا مرتباً.
السادس: (والموالاة).
الموالاة: هي مصدر والى الشيء موالاة إذا تابعه.
والمراد بها هنا: ألا يؤخر غسل عضو أو بعضه حتى يجف العضو الذي قبله في زمن معتدل أو قدره من غيره.
لأن آية الوضوء دلت على وجوب غسل الأعضاء الأربعة، وبيَّن النبي ﷺ صفة الوضوء بفعله، ولم ينقل عنه أنه توضأ إلا متواليا.
وللحديث الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى عن خالد بن معدان، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ، لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» رواه أبو داود 175، وصححه الألباني. ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط.
قال رحمه الله تعالى: (وواجبه التسمية مع الذكر)
أي تجب التسمية في الوضوء إذا ذكرها.
والتسمية بأن يقول: باسم الله. لا يقوم غيرها مقامها، فلو قال: باسم الرحمن ونحوه لم يجزئه.
لحديث أبي هريرة مرفوعاً: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. قال ابن حجر في التلخيص 1/128: (الظاهر أن مجموع الأحاديث يُحدِث منها قوة تدل على أن له أصلا) وحسنه الألباني في الإرواء (81) وقال أحمد شاكر: إسناده جيد حسن. كما في تحقيق الترمذي.
وعند الجمهور التسمية مستحبة؛ لأن أكثر الذين وصفوا وضوء النبي ﷺ لم يذكروا فيه التسمية، فيكون ذلك صارفا لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتقدم من الوجوب إلى الاستحباب.
ويدل على الاستحباب أيضا حديث أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَضُوءًا. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟» فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَيَقُولُ: «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ». فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ قَالَ ثَابِتٌ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ تُرَاهُمْ؟ قَالَ: نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ. رواه النسائي 78، وقال الألباني: صحيح الإسناد.
ومع قول الحنابلة بالوجوب إلا أنها تسقط عندهم سهوا وجهلا، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في الإرواء (82).
قال رحمه الله تعالى:
(ونواقضه ثمانية: الخارج من السبيلين، والخارج الفاحش النجس من الجسد وزوال العقل، ومس المرأة بشهوة، ومس الفرج باليد قبلا كان أو دبرا، وأكل لحم الجزور، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام. أعاذنا الله من ذلك).
ونواقض الوضوء هي مفسداته التي يبطل بها حكم الطهارة.
وهي ثمانية نواقض بالاستقراء من الفقهاء رحمهم الله تعالى.
الأول: (الخارج من السبيلين)
والسبيل: هو الطريق في الأصل، والمراد هنا مخرج البول والغائط، قليلا كان الخارج من السبيلين أو كثيرا فإنه ينقض الوضوء.
وسواء أكان الخارج معتادا كالبول والغائط، أو نادرا كالدم ونحوه فإنه ينقض الوضوء.
ولا فرق أيضا في كون الخارج طاهراً أو نجساً، كخروج الريح من الفرج، فالريح طاهرة، وخروجها ينقض الوضوء، وكخروج قطرة أو أكثر من المني بعد الاغتسال له، فإنه ينقض الوضوء مع كون المني طاهرا على الراجح.
أدلة هذا الناقض:
قوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ... فَتَيَمَّمُوا﴾ [المائدة: 6]
وقوله ﷺ: «ولكن من غائط وبول ونوم» رواه الترمذي من حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- برقم (96) وقال بعده: هذا حديث حسن صحيح. ونقل عن البخاري قوله: (أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا البَابِ حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ). والغائط والبول نجس معتاد.
وعن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: شُكي إلى النبي ﷺ الرجل يُخيَّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ قال: «فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً» متفق عليه، والريح طاهرة معتادة.
وعن علي رضى الله عنه قال: (كنت رجلا مذَّاء وكنت أستحي أن أسأل النبي ﷺ لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله؟ فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ»). متفق عليه، والمذي نجس غير معتاد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: «لا، إنما ذلك عِرق وليس بالحيضة، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي، وتوضئي لكل صلاة»). رواه أبو داود وصححه في الإرواء (109)
وهذا الحديث يستدل به للنقض بالنادر لأن دم الاستحاضة غير معتاد ومع ذلك أمرت بالوضوء.
ولأن النادر لا يخلو في الغالب من بلة تتعلق به فينتقض الوضوء بها.
ويستثنى مما تقدم الخارج الدائم كمن به سلس البول والمستحاضة فإنه إذا توضأ بعد دخول الوقت ثم خرج منه البول أو الدم فهو محكوم له بالطهارة للضرورة.
(والخارج الفاحش النجس من الجسد)
هذا الثاني، وهو خروج النجاسة من بقية البدن أي من موضع من البدن غير السبيلين،
فإن كان الخارج النجس من بقية البدن بولا أو غائطا فإنه ينقض مطلقا، أي سواء أكان قليلا أم كثيرا؛ لعموم قوله تعالى: ﴿أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ﴾ وعموم قوله ﷺ: «ولكن من غائط وبول ونوم».
وإن كان الخارج النجس من بقية البدن غير البول والغائط كالدم والقيء والقيح فإنه ينقض إن كان فاحشاً أي كثيرا، أما القليل منه فلا ينقض.
وضابط الكثير، أن يكون فاحشا في نفس كل أحد بحسبه، فإن اعتقد أن هذا الخارج فاحش انتقض وضوؤه، وإن اعتقد أنه ليس فاحشا لم ينتقض، عملا باعتقاده.
وأدلة هذا الناقض:
قوله ﷺ لفاطمة بنت أبي حبيش: «إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة» رواه الترمذي.
ووجه الدلالة منه: أنه علل بأن الدم الخارج دم عرق فدل على أن دماء العروق الخارجة من البدن توجب الوضوء، ولم يعلل الوضوء لأجل خروج الدم من السبيل.
وروى معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك فقال: صدق، أنا صببت له وَضوءه. رواه أحمد والترمذي وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب. وصححه الألباني في الإرواء (111).
ولا ينقض اليسير لقول ابن عباس رضي الله عنهما في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة. قال الإمام أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملاً، وذكر غيرهم ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً([7]).
الثالث: (وزوال العقل)
زوال العقل أو تغطيته.
فإن كان بجنون أو إغماء أو سكر فإنه ينقض الوضوء كثيرا كان أو قليلا، وهذا بالإجماع؛ لأن هؤلاء لا يشعرون بحال.
وإن كان تغطية العقل بنوم فالنوم الناقض هو النوم المستغرق، فإِذا نام بحيث لو انتقض وضوءُه أحسَّ بنفسه، فإِن وضوءَه باقٍ، وإِذا نام بحيث لو أحدث لم يحسَّ بنفسه فقد انتقض وضوءُه.
دليل هذا الناقض:
روى أبو داود (203) وابن ماجه (477) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ، فَلْيَتَوَضَّأْ» وحسنه في الإرواء (112).
وروى الإمام أحمد 16879 عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الْعَيْنَيْنِ وِكَاءُ السَّهِ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ اسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ» وحسنه الألباني في صحيح الجامع 4148.
قال في فيض القدير 4/398: («العين وكاء السه» بفتح السين وكسر الهاء مخففا أي حفاظه عن أن يخرج منه شيء، والوكاء بالكسر ما يُشدُّ به الكيس أو نحوه، والسَّه الدُّبر)
جعل اليقظة وكاء الدبر، لأن الوكاء هو رباط القربة، والنوم مظنة الحدث، فأقيم مقامه، فشبَّه اليقظة بالوكاء بجامع الحفظ.
وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَوْ عَنْ أُنَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ جُنُوبَهُمْ فَيَنَامُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ» رواه أبو يعلى 3199، وقال الألباني في الإرواء 1/149: وسنده صحيح.
الرابع من النواقض: (ومس المرأة بشهوة)
وهو مس الذكر الأنثى بشهوة، من غير حائل، فإنه ينقض الوضوء، على المذهب، وسواء أكانت الأنثى أجنبية أم ذات مَحْرم، كبيرة أم صغيرة، ويشترط تكون مميزة، أما من دون التمييز فلا ينقض مسها؛ لأنها ليست محلا للشهوة.
وكذا مس المرأة الذكر بشهوة فإنه ينقض الوضوء.
أما لو كان المس من أحدهما للآخر بدون شهوة أو بحائل فلا ينقض.
ودليل هذا الناقض قوله تعالى: ﴿أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ﴾، وقرئ ﴿أو لمستم﴾ فدل على أن اللمس ينقض الوضوء.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنتُ أنامُ بينَ يَدَي رسولِ اللهِ - ﷺ - ورِجْلايَ في قِبْلَتِه، فإذا سَجَد غَمَزَنِي فقَبَضْتُ رِجْلَيَّ. مُتَّفَقٌ عليه. وللنَّسائِيِّ: مَسَّنِي برِجْلِه.
فدل على أن اللمس لغير شهوة لا ينقض([8]).
الخامس من النواقض: (ومس الفرج باليد قبلا كان أو دبرا)
أي أن يمس فرج الآدمي ذكرا كان أو أنثى بغير حائل قُبُلا كان أو دُبُرا، بشهوة أو بغير شهوة، فإن وضوءه ينتقض.
وسواء أكان المس بظهر كفه أم ببطن الكف فإنه ينقض، والكف: من رؤوس الأصابع إلى الكوع. والكوع: طرف الزند الذي يلي الإبهام.
أما لو مسه بغير اليد كساعده فلا ينقض، وكذا بظفره لا ينقض.
دليل هذا الناقض:
حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «من مس ذكره فليتوضأ» قال الإمام أحمد: هو حديث صحيح. وصححه في الإرواء (116).
وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «من مس فرجه فليتوضأ» قال الإمام أحمد: حديث أم حبيبة صحيح. وصححه في الإرواء (117).
قال الفيومي في المصباح المنير: الفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر؛ لأن كل واحد منفرج أي منفتح، وأكثر استعماله في العرف في القبل.
ونصُّه في الحديث على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم يهتك به حرمة تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
ولا ينقض بمس الخصيتين أي الأنثيين([9]).
السادس: (وأكل لحم الجزور)
أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.
لحديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي ﷺ: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ». قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم توضأ من لحوم الإبل» رواه مسلم.
ولحديث البراء -رضي الله عنه- سئل رسول الله ﷺ عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضؤوا منها. رواه أبو داود.
ولا ينقض الوضوء شرب مرق لحم الإبل لأنه ليس لحما.
وكذا لبنها لا ينقض الوضوء، لكن يستحب الوضوء منه لحديث البراء -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «توضأ من لحوم الإبل وألبانها» رواه الشالنجي بإسناد جيد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة 1/335.
والصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب حديث العرنيين لما أمرهم النبي ﷺ أن يشربوا من ألبان الإبل وأبوالها، فإنه لم ينقل أنه ﷺ أمرهم بالوضوء من ألبانها.
السابع: (وتغسيل الميِّت)
تغسيل الميت، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا.
لأن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء. وقال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء. ولا نعلم لهم مخالفاً في الصحابة، قاله في المغني 1/256.
والغاسل هو مَن يُقلِّبه ويباشره، ولو كان ذلك مرة واحدة، لا مَن يصب عليه الماء أو ييممه([10]).
الثامن: (الردة عن الإسلام أعاذنا الله منها)
فالصحيح من المذهب أن الردة من النواقض.
لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ﴾ وقوله: ﴿لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾
والوضوء عمل فتُحبطه الردة وتبطله.
قال رحمه الله تعالى:
(الشرط الخامس: إزالة النجاسة من ثلاثٍ: من البدن، والثوب، والبقعة، والدليل قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ﴾)
هذا الشرط الخامس من شروط صحة الصلاة، وهو اجتناب المصلي للنجاسة في بدنه وثوبه وبقعته التي يصلي بها.
لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ﴾ وقوله ﷺ: «تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» رواه الدارقطني وصححه في الإرواء 280.
والتنزه: البعد، والمراد اطلبوا النزاهة.
وقوله لأسماء رضي الله عنها في دم الحيض: «تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه» متفق عليه.
وأمره ﷺ بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد.
وهذا الشرط مقيد بالقدرة، أي إذا كان قادرا على تطهير بدنه وثوبه وبقعته، فإن عجز سقط عنه.
وإن علم أن النجاسة كانت في الصلاة لكنه صلى ناسيا أنها أصابته فلم يذكر إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحه؛ لأن النبي ﷺ خلع نعليه لما علم أن فيهما نجاسة وهو يصلي، وبنى على صلاته، ولم يعد.
ولأن هذا من باب التروك، أو النواهي، فيعذر فيها بالجهل والنسيان.
قال رحمه الله تعالى:
(الشرط السادس. ستر العورة. أجمع أهل العلم على فساد صلاة من صلى عريانا وهو يقدر. وحد عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والأمة كذلك، والحرة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة. والدليل قوله تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ﴾ أي عند كل صلاة).
معنى ستر العورة: تغطية ما يقبُح ظهوره ويُستحيى منه.
يشترط لصحة الصلاة ستر العورة مع القدرة بشيء لا يصف لون البشرة، من بياضها أو سوادها؛ لأن الستر إنما يحصل بذلك.
ودليل هذا الشرط قوله تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ﴾ أي عند كل صلاة، وأقل ما يصدق عليه أنه أخذٌ للزينة ستر العورة.
ولحديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال له في الثوب: «إن كان ضيقا فاتزر به، وإن كان واسعا فالتحف به» رواه البخاري
وقوله ﷺ: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه أبو داود وصححه في الإرواء 267. والمراد بالحائض أي التي بلغت سن الحيض.
ويجب ستر العورة في الصلاة، ولو كان يصلي خاليا، أو في ظلمة.
تنبيه: ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الفتاوى 12/263 أن لبس الثياب في الصيف الشفافة وتحتها سراويل قصير لا تصل إلى الركبة حرام، ولا تجوز الصلاة به.
وقال أيضا: الثياب الشفافة التي تصف البشرة غير ساترة ووجودها كعدمها وبناء على ذلك فإن صلاتهم غير صحيحة.
وقوله: (وحدُّ عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والأمة كذلك)
عورة الرجل وكذا الذكر البالغ عشر سنين ما بين السرة إلى الركبة.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً «ما بين السرة والركبة عورة» رواه الدارقطني. وحسنه في الإرواء 271.
وكذا عورة الأمة – يعني في الصلاة - ما بين السرة والركبة، والقول الثاني: أن عورتها في الصلاة كالحرة.
وقوله: (والحرة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة)
أي يجب على الحرة البالغة أن تستر في الصلاة فرضها أو نفلها جميع بدنها إلا الوجه.
لحديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» أخرجه الترمذي 1173، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ» وصححه الألباني في الإرواء 273.
والحديث عام في جميع بدن المرأة، واستثني الوجه للإجماع على أنه ليس من العورة في الصلاة، فيبقى على العموم فيما عداه.
وجواز كشف المرأة وجهها في الصلاة مجمع عليه، قال ابن قدامة في المغني 1/430: (لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ).
وكذا أجمع الفقهاء على أن ما عدا الوجه والكفين والقدمين يعد عورة في الصلاة، ليس لها كشف شيء منه.
قال ابن أبي عمر في الشرح الكبير 3/208: (وأما ما عدا الوجه والكفين والقدمين، فهو عورة بالإجماع، لا نعلم فيه خلافا).
وأما الكفان في الصلاة فمذهب الحنابلة عدم جواز كشفهما.
والجمهور على جواز كشفهما، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن سترهما لو كان واجبا لبينه النبي ﷺ.
وأما القدمان فلا يجوز كشفهما في الصلاة عند الجمهور.
قال الشيخ ابن باز في فتاويه 10/411: الكفان الأمر فيهما واسع وسترهما أفضل خروجا من الخلاف، أما القدمان فالواجب سترهما في الصلاة عند الجمهور.
وأما عورتها خارج الصلاة فكلها عورة عند الرجال الأجانب حتى وجهها وكفيها.
ومن أدلة وجوب تغطية المرأة لوجهها([11]):
ولما نزلت هذه الآية، حجب النبي ﷺ نساءه، وحجب الصحابة نساءهم عن الرجال الأجانب، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم، وبيَّن الله جل وعلا في هذه الآية، أن الحكمة من فرض الحجاب أنه أطهر لقلوب الرجال والنساء، وإذا خوطب بهذه الآية الصحابةُ وأمهاتُ المؤمنين -رضي الله عنهم-، مع كمال تقواهم وطهارة قلوبهم، فخطاب غيرهم من الرجال والنساء بهذه الآية، أولى وأولى.
والحمد لله رب العالمين.
الدرس الثاني
الحمد لله . . . أما بعد.
فبقي معنا مسألة تتعلق بشرط ستر العورة، وهي: حكم انكشاف العورة في الصلاة:
الأحوال أربع:
ب- إذا كان فاحشا عرفا وقصر الزمن لم يعد؛ لأنه يسير في الزمن، أشبه اليسير في القدر.
ت- إذا كان يسيرا قصر الزمن أو طال لم يعد. لأن اليسير يشق الاحتراز منه، فعفي عنه كيسير الدم. ولأن ثياب الأغنياء لا تخلو من فتق وثياب الفقراء لا تخلو من خرق غالبا والاحتراز عن ذلك يشق فعفي عنه.
وحد اليسير ما لا يفحش في النظر عادة، ويختلف الفحش بحسب المنكشف، فيفحش من السوأة ما لا يفحش من غيرها.
والدليل لهذه المسألة حديث عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه قال إن قومي نَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ. رواه البخاري 4302.
قال رحمه الله تعالى:
(الشرط السابع: دخول الوقت، والدليل من السنة حديث جبريل عليه السلام: «أنه أم النبي ﷺ في أول الوقت، وفي آخره فقال: يا محمد: الصلاة بين هذين الوقتين» وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا﴾ أي مفروضا في الأوقات. ودليل الأوقات قوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيۡلِ وَقُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِۖ إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودٗا﴾).
من شروط صحة صلاة الفريضة دخول الوقت، فمن صلى الفريضة قبل دخول الوقت لم تصح صلاته، إلا في جمع التقديم لمن يجوز له الجمع.
ودليل هذا الشرط: قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا﴾
وقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ﴾ الآية قال ابن عباس: دلوكها: إذا فاء الفيء.
ولحديث جبريل عليه السلام حين أمَّ النبي ﷺ بالصلوات الخمس في اليوم الأول في أول الوقت، وفي اليوم الثاني في آخر الوقت، ثم قال: «وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ» رواه الترمذي 149، وصححه في الإرواء 249.
وقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال:
والزوال: ميل الشمس إلى المغرب.
وهو الدلوك الذي أراده الله تعالى بقوله: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ﴾
وفي حديث ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر» رواه مسلم.
ويُعرف الزوال بزيادة الظل بعد تناهي قصره.
وينتهي وقت الظهر إذا ساوى الشاخص فيئه بعد فيء الزوال.
وذلك أن الشمس إذا طلعت يكون للشاخص ظل من جهة المغرب، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى إذا صارت فوق الرؤوس وسط النهار تقلص الظل إلا شيئا يسيرا يسمى فيء الزوال، فإذا زالت الشمس إلى جهة المغرب أدنى زوال دخل وقت الظهر، فإذا صار فيء الشاخص كطوله بعد فيء الزوال انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر.
فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل ثم تنظر الزيادة عليه فإذا بلغت قدر الشاخص فقد انتهى وقت الظهر.
وتعجيل الظهر أفضل إلا في شدة الحر فالسنة الإبراد؛ لقوله تعالى: ﴿أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ﴾ ولقوله ﷺ: «كان يصلي الهجير حين تدحض الشمس» أي تزول.
أما في شدة الحر فيسن الإبراد بالظهر، فتؤخر لقوله ﷺ: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم» متفق عليه.
وفيحها: شدة غليانها، وانتشار لهبها ووهجها. وهو نَفَس من جهنم.
فتؤخر حتى ينكسر الحر، لقرب وقت العصر.
وليس المراد أن يترك صلاة الجماعة في المسجد لأجل الإبراد؛ لأن الواجب لا يُترك للسنة، وإنما المراد المعذور ونحوه.
والإبراد مسنون في غير الجمعة فيسن تقديم الجمعة مطلقا في شدة الحر وغيره، لعموم حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كنا نجمِّع مع رسول الله ﷺ إذا زالت الشمس. متفق عليه
ووقت العصر من خروج وقت الظهر إلى الاصفرار([12]).
وقت الظهر يلي وقت العصر من غير فصل بين الوقتين، فيبدأ من مصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال، ويمتد الوقت المختار للعصر حتى اصفرار الشمس.
لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وفيه: (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) رواه مسلم.
ووقت الضرورة من اصفرار الشمس إلى الغروب، ولا يجوز أن يصلي العصر في وقت الضرورة إلا من عذر؛ لحديث أنس رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه مسلم 622.
ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليه وجعله علامة للنفاق.
أما من له عذر في التأخير فلا إثم عليه كالحائض تطهر في وقت الضرورة والكافر يسلم والصبي يبلغ والمجنون يفيق فهؤلاء يصلونها في الوقت أداء.
وقت المغرب من الغروب إلى غياب الشفق الأحمر:
والمراد غروب قرص الشمس جميعِه بحيث لا يُرى منه شيء، لا من سهل ولا من جبل.
لما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ يصلي المغرب إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب.
ودليل امتداد وقتها إلى مغيب الشفق ما رواه ابن عمرو رضي الله عنهما وفيه: (ووقت المغرب ما لم يغب الشفق) رواه مسلم.
والمراد هنا بالشفق أي الأحمر، لما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما (ما لم يسقط ثور الشفق).
قال في النهاية: ثور الشفق: أي انتشاره وثوران حمرته.
ووقت العشاء من غياب الشفق إلى نصف الليل:
وهذا وقت الاختيار، ووقت الضرورة من نصف الليل إلى طلوع الفجر الصادق.
ولا خلاف بين الفقهاء أن أول وقت العشاء هو مغيب الشفق الأحمر.
لحديث بريدة رضي الله عنه وفيه: أن النبي ﷺ صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق. رواه مسلم.
ولحديث ابن عمرو رضي الله عنهما وفيه: «ووقت العشاء إلى نصف الليل» رواه مسلم.
ويعرف نصف الليل بأنه ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف هذه المدة هو نصف الليل.
ويمتد وقت الضرورة للعشاء إلى طلوع الفجر الثاني.
ويحرم فعل العشاء في وقت الضرورة بلا عذر.
والفجر الثاني يسمى الفجر الصادق، وهو البياض المعترض بالمشرق ولا ظلمة بعده.
والفرق بينه وبين الفجر الأول (الكاذب):
ووقت الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس:
هذا آخر الأوقات.
ولا خلاف بين الفقهاء أن أول وقت الفجر من طلوع الفجر الصادق لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما، وفيه: (ووقت الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس) رواه مسلم.
وينتهي بطلوع الشمس لهذا الحديث.
قال رحمه الله تعالى:
(الشرط الثامن: استقبال القبلة. والدليل قوله تعالى: ﴿قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبۡلَةٗ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ﴾).
فمن شروط صحة الصلاة استقبال الكعبة المشرفة.
ودليل هذا الشرط الآية التي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ الآية. قال علي رضي الله عنه: شطره: قِبَله.
وفي حديث المسيء في صلاته قال ﷺ «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة» متفق عليه.
ولا تصح الصلاة بدون الاستقبال، ويُستثنى من هذا الشرط:
والواجب على من كان قريبا من الكعبة، وهو مَن أمكنه معاينتها أو الخبر عن يقين أن يصيب عينها، أي أن يستقبل نفس الكعبة لا جهتها؛ لأنه قادر إلى التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز العدول عنه، وأما من بعُد عن الكعبة فالواجب استقبال جهتها؛ لقوله ﷺ: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» رواه الترمذي.
الشرط التاسع: النية، ومحلها القلب، والتلفظ بها بدعة. والدليل: الحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
هذا تاسع شروط الصلاة، وآخرها.
ولا تسقط النية بحال، فهي شرط مع العلم والجهل والذكر والنسيان؛ لأن محلها القلب، فلا يتأتى العجز عنها.
وأجمع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بنية، لقوله تعالى: ﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ ولحديث عمر رضي الله عنه الذي ذكره الشيخ رحمه الله تعالى: «إنما الأعمال ...» متفق عليه.
وتقدم الكلام على بعض أحكام النية في شروط الوضوء من هذه الرسالة.
قال رحمه الله تعالى: (وأركان الصلاة أربعة عشر:)
وهي بالاستقراء من الفقهاء.
والأركان جمع ركن، وهو جانب الشيء الأقوى، وهو ما كان في الصلاة، وينقضي شيئا فشيئا.
بخلاف الشرط فإنه ما كان خارج الصلاة، ويجب استصحابه إلى انقضاء الصلاة.
والركن لا يسقط عمداً، ولا سهواً، ولا جهلاً، ومن ترك ركنا متعمدا بطلت صلاته، وإن تركه ساهيا ففيه تفصيل يذكر في باب سجود السهو من كتب الفقه.
قال رحمه الله تعالى:
(القيامُ مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، والسجود على سبعةِ الأعضاء والاعتدالُ منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي ﷺ، والتسليمتان).
ذكرها مجملة ثم فصلها بقوله:
(الركن الأول: القيام مع القدرة. والدليل قوله تعالى: ﴿وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ﴾).
الركن الأول: القيام مع القدرة في الفرض دون النفل.
ودليل هذا الركن قوله تعالى: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ﴾ وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كانت بي بواسير، فسألت النبي ﷺ عن الصلاة؟ فقال: «صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب») رواه البخاري برقم 1117.
وخُص الفرض بأن القيام فيه ركن لحديث عائشة رضي الله عنها في قيام النبي ﷺ في الليل قالت: (وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا) الحديث أخرجه مسلم 730، فدل على أن النفل يجوز فيه أن يصلي قاعدا ولو بلا عذر.
إلا أن المتنفل إذا صلى قاعدا بلا عذر فله نصف أجر القائم، فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ . . .» رواه البخاري 1116.
قال الموفق في المغني 2/105: (لا نعلم خلافا في إباحة التطوع جالسا، وأنه في القيام أفضل) ثم ذكر حديث عمران رضي الله عنه هذا.
وقوله: (القيام مع القدرة) أي أنه يسقط القيام عن غير القادر كالمريض؛ لما تقدم في حديث عمران رضي الله عنه.
ومثله الخائف، كما لو كان خلف جدار قصير لو قام لرآه العدو فتصح صلاته مع ترك القيام للعذر.
وكذا المحبوس بمكان لا يقدر فيه على القيام لقصر سقفه ونحوه.
وحدُّ القيام أن يكون منتصبا، ولا يضر الانحناء اليسير الذي لا يصل إلى حد الركوع المجزئ.
فإن كان منحنيا يصل إلى حد الركوع المجزئ بلا عذر لم تصح صلاته؛ لأنه لم يأت بالقيام المفروض.
(الثاني. تكبيرة الإحرام. والدليل: الحديث: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»)
لقوله ﷺ في حديث المسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر» متفق عليه، وقال النبي ﷺ: «مفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه أبو داود. وصححه في الإرواء 301.
وسميت تكبيرة الإحرام بذلك: لأنه يحرم عليه بها ما كان مباحا له قبل ذلك، كالأكل والشرب والكلام ونحوه.
وتكبيرة الإحرام أن يقول: (الله أكبر) لا يجزئه غيرها؛ لحديث أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ» رواه ابن ماجه برقم (803) وصححه الألباني.
ومعنى الله أكبر: أن الله تعالى أكبر من كل شيء في ذاته وأسمائه وصفاته، فيستحضر العبد بتكبيره عظمة الله تعالى في قلبه، وأنه أكبر من كل شيء، فلا يلتفت إلى غيره.
ويقولها حال كونه قائماً، إماما كان أو مأموما أو منفردا، فإن ابتدأ تكبيرة الإحرام قاعدا وأتمها قائما، أو ابتدأها قائما وأتمها راكعا صحت صلاته نفلا لا فرضا؛ لأن ترك القيام يفسد الفرض فقط، ويقلبه نفلا إن اتسع الوقت لإتمام النفل والإتيان بالفرض كله قبل خروج الوقت، وإلا استأنف الفرض قائما.
وتنعقد الصلاة إن مد لام لفظ الجلالة (الله)؛ لأنها ممدودة، فغايتها زيادة مدها من غير إتيان بحرف زائد، وإن كان هذا المد الزائد لا ينبغي.
ولا تنعقد الصلاة إن مدّ همزة: الله. أو مد همزة: أكبر. لأنه يصير استفهاما فيختل المعنى، ولو قال: أكبار لم تصح صلاته؛ لأن أكبار جمع كَبر، بفتح الكاف، وهو الطبل.
ويجهر الإمام بتكبيرة الإحرام بقدر ما يسمع من وراءه من المأمومين، أما المأموم والمنفرد فينطق بها بحيث يسمع نفسه، ولا بد من النطق، أما ما يفعله بعض المصلين من عدم تحريك شفتيه ولسانه فلا تصح معه الصلاة، بل لا بد من النطق، لكن المأموم لا يرفع صوته بما يشوش على من بجواره.
قال رحمه الله تعالى:
(وبعدها الاستفتاحُ - وهو سنةٌ - قولُ: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك» ومعنى «سبحانك اللهم»: أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا الله. «وبحمدك» أي ثناءً عليك. «وتبارك اسمك» أي البركةُ تُنال بذكرك. «وتعالى جدك»: أي ارتفع قدرك وعظم شأنك. «ولا إله غيرك»: أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله).
يستحب أن يستفتح بعد التكبير، بهذا الاستفتاح الذي ذكره المؤلف رحمه الله تعالى أو بغيره مما ورد في السنة.
ثم شرح الاستفتاح بقوله: (ومعنى «سبحانك اللهم»: أي أنزهك التنزيه اللائق بجلالك يا الله) فالتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به من النقائص والرذائل.
(وبحمدك: أي ثناءً عليك) أي وبحمدك سبحتك، أي ونحن متلبسون بحمدك.
(وتبارك اسمك: أي البركة تنال بذكرك) تبارك: أي كثُرت وعظمت بركاته، وهو مختص به تعالى، لا يجوز إطلاقه على المخلوق.
(وتعالى جَدك: أي ارتفع قدرك وعظم شأنك) ومنه قوله تعالى: (وأنه تعالى جَدُّ ربنا).
(«ولا إله غيرك»: أي لا معبود في الأرض ولا في السماء بحق سواك يا الله)
وهذا تفسير كلمة التوحيد.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، رواه أبو داود 776، وصححه الألباني في الإرواء 341.
عَنْ عَبْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» رواه مسلم 339.
وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد 1/195 عددا من الاستفتاحات الواردة عن النبي ﷺ أقتصر منها على اثنين:
«اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ».
«اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
قال رحمه الله تعالى:
(«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». معنى: «أعوذ» ألوذ وألتجئ وأعتصم بك يا الله. «من الشيطان الرجيم» المطرود المبعد عن رحمة الله، لا يضرني في ديني ولا في دنياي).
يسن أن يقول سرا قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وبيَّن الشيخ رحمه الله تعالى معناها: أي التجئ وأعتصم بالله من الشيطان المطرود المبعد عن رحمة الله تعالى لا يضرني في ديني أو دنياي.
والدليل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ﴾
والمعنى إذا أردت القراءة فاستعذ بالله. ويدل لذلك فعله ﷺ حيث تعوذ قبل القراءة، كما عند أبي داود، والصارف للأمر في الآية من الوجوب إلى الاستحباب أن النبي ﷺ كثيرا ما يذكر بعض الآيات ضمن الأحاديث، ولم ينقل أنه كان يستعيذ فدل على أن الأمر في الآية للاستحباب.
وإن قرأ من أثناء السورة تعوذ ولم يبسمل، لعموم الأمر بالاستعاذة عند القراءة، فيشمل أولها ووسطها.
قال رحمه الله تعالى:
(وقراءة الفاتحة ركن في كل ركعة كما في الحديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وهي أم القرآن)
هذا الركن الثالث من أركان الصلاة؛ لقوله ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه، وفى رواية للدارقطنى برقم 1225 بلفظ: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب» وقال: هذا إسناد صحيح.
وسُميت فاتحة؛ لأنه يُفتتح بقراءتها الصلاة، وبكتابتها المصاحف.
ويستحب أن يقرأها مرتلة، فيتمهل في قراءتها، ويقف عند كل آية كقراءته ﷺ.
فإن ترك حرفا منها مجمعا عليه لم تصح؛ لأنه لم يقرأها كلها، بخلاف ألف (مالك يوم الدين) ففي قراءة: (ملك يوم الدين).
وإن ترك تشديدة واحدة، لم تصح صلاته، ولزمه استئناف الفاتحة؛ لتركه حرفا منها؛ لأن الحرف المشدد أقيم مقام حرفين، وفي الفاتحة إحدى عشرة تشديدة أولها: اللام في: الله، رب، الرحمن، الرحيم، الدين، إياك، وإياك، الصراط، الذين، وآخرها: تشديدتان في (الضالين).
قال رحمه الله تعالى:
((بسم الله الرحمن الرحيم) بركة واستعانة) أي أنه يتبرك ويستعين باسم الله تعالى.
ويسن أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم قبل قراءة الفاتحة، وهي آية من القرآن، وليست من الفاتحة، ولا من أول كل سورة، وإنما هي آية مستقلة، فاصلة بين كل سورتين، سوى سورة براءة، فيكره ابتداؤها بها، وهي بعض آية في سورة النمل ﴿إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾.
ويدل على أنها ليست من الفاتحة الحديث القدسي: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله عز وجل: حمدني عبدي ...» رواه مسلم، ولو كانت البسملة آية من الفاتحة لقال: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
والدليل على استحباب البسملة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، وفيه: والذي نفسي بيده: إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ. رواه النسائي.
ويأتي بالبسملة سرا، وهو قول الجمهور؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. متفق عليه. ولمسلم: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها.
قال رحمه الله تعالى:
((الحمد لله) "الحمد" ثناء، والألف واللام لاستغراق جميع المحامد، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه، مثل الجمال ونحوه، فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا).
فسَّر الشيخ رحمه الله تعالى الحمد بالثناء على الله تعالى، وبعض العلماء يفسره بأنه وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيما.
ثم بين الفرق بين الحمد والمدح، بأن المدح هو الثناء على المرء بالجميل الذي لا صنع له فيه كالجمال ونحوه، فهذا يسمى مدحا.
أما الجميل الذي له صنع فيه كالكرم والشجاعة ونحو ذلك فالثناء على المرء به يسمى حمدا.
((رب العالمين) "الرب" هو المعبود الخالق الرازق المالك المتصرف مربي جميع الخلق بنعمه. "العالمين" كل ما سوى الله عالم، وهو رب الجميع)
العالمين: جمع عالَم، وهو كل ما سوى اللهِ تعالى، كعالم الإنس وعالم الجن وعالم الملائكة، وعالم الطير وعالم النبات وغيرها مما لا يعلمه إلا الله تعالى، فكلها تحت ملك الله سبحانه وتصرفه وقهره.
((الرحمن) رحمةً عامة بجميع المخلوقات. (الرحيم) رحمةً خاصة بالمؤمنين. والدليل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا﴾)
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اسمان لله تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، على ما يليق بجلاله، والرحمن: أي ذو الرحمة الواسعة التي وسعت جميع الخلق، والرحيم: أي بالمؤمنين.
(﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ يومِ الجزاء والحساب، يومُ كلٍّ يُجازى بعمله، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ 17 ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ 18 يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ 19﴾ والحديث عنه ﷺ «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»).
﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ أي مالك يوم الجزاء والحساب، وهو اليوم الذي يدينهم الله فيه بأعمالهم، أي يجازيهم، وإنما خَص يومَ الدين في هذه الآية مع أنه سبحانه المالك الحقيقي للدنيا أيضا، لأن مُلكه سبحانه للآخرة لا يدعيه معه أحد من الخلق كملكهم في الدنيا، ولهذا قال سبحانه عن ملكة يوم القيامة ﴿لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ﴾.
الحديث الذي ذكرها الشيخ رحمه الله تعالى رواه الإمام أحمد (17123) وابن ماجه (4260) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
والكيِّس هُوَ اللبيب الحازم الْعَاقِل الَّذِي ينظر فِي عواقب الْأُمُور، فَهَذَا يقهر نَفسه ويستعملها فِيمَا يعلم أَنه ينفعها بعد مَوتهَا وَإِن كَانَت كارهة لذَلِك، وَالْعَاجِز هُوَ الأحمق الْجَاهِل الَّذِي لَا يفكر فِي العواقب، بل يُتَابع نَفسه على مَا تهواه من لذاتها وشهواتها في العاجل وَإِن عَاد ذَلِك بما يضرها بعد الْمَوْت، بل قد يعود ذَلِك عَلَيْهَا بِالضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة([13]).
ومعنى: «وتمنّى على الله الأماني» أي الأماني الفارغة، فهو مع تقصيره عن طاعة ربه واتباع شهوات نفسه يتمنى على الله العفو ودخول الجنة، مع الإصرار وتركه التوبة والاستغفار([14]).
(﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ أي لا نعبد غيرَك، عهدٌ بين العبد وبين ربه أن لا يَعبدَ إلا إياه. ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ عهد بين العبد وبين ربه أن لا يستعين بأحد سواه).
﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ أي لا نعبد إلا الله وحده، ولا نستعين إلا به، والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
(﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ معنى "اهدنا" دلنا وأرشدنا وثبتنا، و"الصراط" الإسلام، وقيل: الرسول، وقيل: القرآن، والكل حق. و"المستقيم" الذي لا عوج فيه)
﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ وهذا السؤال جاء بعد ثناء الله تعالى، وإذا جاء الدعاء بعد الثناء كان أقرب إلى الإجابة، ومعنى الآية: أي أرشدنا يا ربنا، ودلنا على الصراط المستقيم، ووفقنا لسلوكه، ففيها سؤال العلم النافع والتوفيقِ للعمل الصالح.
والصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، والمراد به الإسلام.
وسؤال المؤمن ربه الهداية مع كونه متصفاً بها، يراد به أن يثبته الله تعالى عليها وأن يزيده من الهدى، فإن العبد مفتقر إلى ربه، محتاج إلى تثبيته على الخير والازدياد منه.
((صراطَ الذين أنعمت عليهم) طريق المُنعَم عليهم. والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا﴾)
﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾ أي هذا الصراطُ المستقيم هو صراطُ الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، المذكورين في سورة النساء، في قوله تعالى: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا)
(﴿غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ وهم اليهود، معهم علم ولم يعملوا به. تَسألُ الله أن يجنبك طريقهم. ﴿وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾ وهم النصارى، يعبدون الله على جهل وضلال، تسأل الله أن يجنبك طريقهم).
﴿غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾ يسأل ربه سبحانه أن يجنبه طريق المغضوب عليهم وهم اليهود، الذين عرفوا الحق فلم يعملوا به، ويجنبه طريق الضالين، وهم النصارى الذين ضلوا عن الحق؛ لعدم اتباعهم للرسول ﷺ.
(ودليل الضالين قوله تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا 103 ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا 104 أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا 105﴾ والحديث عنه ﷺ «لتتَّبِعُنَّ سَنَنَ من [كان] قبلكم حذو القُذَّة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن» أخرجاه)
قوله في الحديث: «لتتبعنَّ»: اللام موطئة للقسم، والنون للتوكيد، فالكلام مؤكد بثلاثة مؤكدات: القسم المقدَّر، واللام، والنون، والتقدير: والله لتتبعنَّ.
قوله: «سَنن من كان قبلكم»: فيها روايتان: «سَنَنَ» و «سُنَنَ». أما «سُنن» بضم السين: جمع سُنَّة، وهي الطريقة. وأما «سَنن»، بالفتح: فهي مفرد بمعنى الطريق.
قوله: «حذو القذة بالقذة»: حذو بمعنى: محاذيا، وهي منصوبة على الحال من فاعل تتبعن، أي: حال كونكم محاذين لهم حذو القذة بالقذة. والقذة: هي ريشة السهم، والسهم له ريش لا بد أن تكون متساوية تماما، وإلا صار الرمي به مختلا.
قوله: «حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»: هذه الجملة تأكيد منه ﷺ للمتابعة، وجحر الضب من أصغر الجحور([15]).
(والحديث الثاني: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قلنا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»).
والحديث رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «... وَإِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رواه الترمذي (2641) وحسنه الألباني.
والمراد بالأمة في الحديث أمة الإجابة، وهذه الثلاث والسبعون فرقة منهم فرقة ناجية وهم الذين على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهم، واثنتان وسبعون فرقة متوعدون بالنار؛ لانحرافهم عن طريق الحق.
وأما أمة الدعوة، فهم كل إنسي وجنّيّ من حين بعثته ﷺ إلى قيام الساعة، ويدخل فيهم اليهود والنصارى، وسائر ملل الكفر، لقوله ﷺ: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النار». رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويستحب لقارئ هذه السورة أن يقول بعدها: آمين. ومعناها: اللهم استجب، لما فيها من الثناء على الله تعالى ودعائه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
قال رحمه الله تعالى:
(والركوع، والرفع منه والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال منه والجلسة بين السجدتين. والدليل قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ﴾ والحديث عنه ﷺ: «أُمِرْتُ أن أسجد على سبعة أعظم»)
الركن الرابع: الركوع، وهو ركن في الصلاة إجماعا في كل ركعة؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ﴾، ولحديث المسيء، وفيه: «ثم اركع حتى تطمئن راكعا» متفق عليه.
والمجزئ في الركوع أن ينحني الراكع في الصلاة بحيث يمكنه مسُّ ركبتيه بكفي يديه؛ لأنه لا يسمى راكعا بدون ذلك. بمعنى أنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا بذلك.
وهذا في حق أواسط الناس خِلْقة، فلا يكون طويل اليدين ولا قصيرهما.
وقيل: الضابط: أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل.
وإن كان المصلي يصلي قاعدا فالمجزئ في ركوعه مقابلة وجهه ما أمام ركبتيه من الأرض أقل مقابلة؛ لأنه ما دام قاعدا معتدلا لا ينظر ما قدام ركبتيه من الأرض، فإذا انحنى بحيث يرى ما قدام ركبتيه من الأرض أجزأ في الركوع.
والركوع الكامل أن يمد ظهره مستويا، ويجعل رأسه حياله أي بإزاء ظهره، فلا يرفعه عن ظهره، ولا يخفضه.
لحديث أبي حميد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره. رواه البخاري، وفي لفظ فلم يصوب رأسه، ولم يقنع. رواه أبو داود وصححه في الإرواء 305
وروى ابن ماجة عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: رأيت النبي ﷺ يصلي، وكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صُبَّ الماء عليه لاستقر. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/144.
الخامس: الرفع من الركوع؛ لقوله ﷺ في حديث المسيء: «ثم ارفع حتى تعتدل قائماً»
السادس: السجود على الأعضاء السبعة؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ﴾ وقوله ﷺ «ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً».
ولقوله ﷺ: «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين» متفق عليه.
أما لو سجد وجعل إحدى قدميه على الأخرى لم يجزئه؛ لأنه لا يجزئه أن يجعل بعض أعضاء السجود فوق بعض، كما لو وضع يديه على فخذيه، أو جبهته على يديه.
السابع: الاعتدال من السجود:
الثامن: الجلوس بين السجدتين: لقوله ﷺ للمسيء في صلاته: «ثم ارفع حتى تطمئن جالساً».
والسنة أن يجلس مفترشا على رجله اليسرى بأن يبسط رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجُها من تحته، ويوجهها إلى القبلة، فيجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها.
لقول عائشة: كان النبي ﷺ يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى. رواه مسلم.
التاسع: (والطمأنينة في جميع الأفعال)
الطمأنينة: السكون. وضابطها: أن يحصل سكون في كل ركن فعلي وإن قل السكون.
وقيل: أن يكون السكون في الركن الفعلي بقدر الذكر الواجب؛ ليتمكن من الإتيان به.
ودليل ركنية الطمأنينة أمره ﷺ الأعرابي بها في جميع الأركان، ولما أخل بها قال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل».
العاشر: (والترتيب بين الأركان)
أي أن يأتي بالأركان ركنا بعد ركن على الترتيب الذي ذكره المؤلف؛ لأن النبي ﷺ صلاها مرتبة. وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وعلمها المسيء في صلاته مرتبة بثمَّ، فلو سجد مثلاً قبل ركوعه عمداً بطلت لإخلاله بالترتيب، ولو سجد قبل ركوعه سهوا، لزمه الرجوع ليأتي بالركوع ثم يسجد بعده؛ ليراعي الترتيب.
(والدليل حديث المسيء: عن أبي هريرة قال: "بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ دخل رجل فصلى فقام فسلم على النبي ﷺ قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فعلها ثلاثا، ثم قال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي ﷺ: «إذا قمت إلى الصلاة فكبِّرْ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها»).
وقد تقدم الاستدلال بهذا الحديث في مواضعه من أركان الصلاة.
الحادي عشر: (والتشهد الأخير ركن مفروض، كما في الحديث عن ابن مسعود (قال: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل" وقال النبي ﷺ: «لا تقولوا: السلام على الله من عباده، فإن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله».
ومعنى "التحيات" جميع التعظيمات لله ملكا واستحقاقا، مثل الانحناء والركوع والسجود والبقاء والدوام، وجميع ما يعظم به رب العالمين فهو لله، فمن صرف منه شيئا لغير الله فهو مشرك كافر.
و"الصلوات" معناها جميع الدعوات، وقيل: الصلوات الخمس. "والطيبات لله" الله طيب ولا يقبل من الأقوال والأعمال إلا طيبَها. "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته": تدعو للنبي ﷺ بالسلامة والرحمة والبركة، والذي يُدعى له ما يُدعى مع الله. و "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين": تسلم على نفسك وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض. و "السلام" دعاء، و "الصالحون" يُدعى لهم ولا يُدعَون مع الله. "أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله": تشهد شهادة اليقين ألا يُعبد في الأرض ولا في السماء بحق إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله بأنه عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذَّب بل يطاع ويُتبع، شرفه الله بالعبودية. والدليل قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا﴾)
وكلام الشيخ رحمه الله تعالى في شرح التشهد واضح جدا، وفيه تأكيد على قضية التوحيد، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
الركن الثاني عشر: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد»: الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما حكى البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وقيل: الرحمة. والصواب الأول، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء)
ومعنى الصلاة من الله ثناؤه في الملأ الأعلى.
والآل: هم أتباعه على دينه، لكن لو قرن الآل بالأتباع صار المراد بالآل المؤمنين من قرابته.
حميد: أي المحمود المستحق للحمد بكل حال.
مجيد: أي الماجد، وهو العظيم الواسع المتصف بالمجد، وهو كمال الشرف والكرم والصفات المحمودة.
الركن الثالث عشر: الجلوس للتشهد الأخير وللتسليمتين؛ لأنه ﷺ فعله وداوم على الجلوس لذلك، وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
الركن الرابع عشر: التسليمتان وهما ركن واحد؛ لقوله ﷺ "وتحليلها التسليم" رواه أبو داود، والترمذي. وصححه في الإرواء 325، ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله. رواه مسلم.
(و "بارك" وما بعدها سنن أقوال وأفعال).
أي قوله: "وبارك على محمد . . ." إلخ، هذا سنة، أما ما قبله من الصلاة على النبي ﷺ فهو متعين.
(والواجبات ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام. وقول "سبحان ربي العظيم في الركوع"، و "قول سمع الله لمن حمده" للإمام والمنفرد، وقول "ربنا ولك الحمد" للكل، وقول: "سبحان ربي الأعلى" في السجود، وقول: "رب اغفر لي" بين السجدتين، والتشهد الأول والجلوس له).
الواجب الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، أي تكبيرات الانتقال.
لقول ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت النبي ﷺ يكبر في كل رفع، وخفض، وقيام، وقعود. رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه. وصححه في الإرواء 330، وقد قال ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ولحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «... فَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ ... وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللهُ لَكُمْ، ... وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ ...» رواه مسلم 404، وهذا أمر، وهو يقتضي الوجوب.
ويستثنى تكبيرة المأموم المسبوق الذي أدرك إمامه راكعا، فكبر للإحرام، ثم كبر ثانيا عند ركوعه، فهذه التكبيرة تعد سنة؛ للاجتزاء عنها بتكبيرة الإحرام.
الثاني: (وقول: سبحان ربي العظيم في الركوع).
التسبيح لغة: التنزيه عما لا يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى.
لقول حذيفة في حديثه: فكان - يعني النبي ﷺ - يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وصححه في الإرواء 333.
وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: ﴿فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ﴾ قال لنا رسول الله ﷺ: "اجعلوها فى ركوعكم" فلما نزلت: ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ قال: "اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد، وأبو داود. وابن ماجه. وضعفه في الإرواء 334.
والواجب في تسبيح الركوع والسجود مرة واحدة، ويسن تكرارها ثلاثا، وهو أدنى الكمال.
الثالث: (وقول: سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد)
لحديث أبي هريرة كان رسول الله ﷺ، يكبر حين يقوم إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده"، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول - وهو قائم - "ربنا ولك الحمد" الحديث. متفق عليه.
ولا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده.
لحديث أبي موسى، وفيه وإذا قال: "سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "اللهم ربنا لك الحمد" رواه أحمد ومسلم.
الرابع: (وقول ربنا ولك الحمد للكل)
وهو واجب في حق الإمام والمأموم والمنفرد.
ودليله ما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأبي موسى رضي الله عنه.
الخامس: (قول: سبحان ربي الأعلى في السجود)
وقد تقدم دليله في واجب سبحان ربي العظيم.
السادس: (وقول: ورب اغفر لي. بين السجدتين).
لحديث حذيفة أن النبي ﷺ كان يقول بين السجدتين "رب اغفر لي، رب اغفر لي" رواه النسائي وابن ماجه. وصححه في الإرواء 335.
والواجب مرة واحدة.
السابع: (والتشهد الأول) لأنه ﷺ فعل ذلك وداوم عليه، وأمر به في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وإنما لم يكن التشهد الأول والجلوس له ركنا كالتشهد الأخير؛ لأنه ﷺ لما سها عن ذلك لم يرجع إليه، وجبره بسجود السهو.
الثامن: (والجلوس له) أي الجلوس للتشهد الأول.
لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله ... " الحديث رواه أحمد والنسائي. وصححه في الإرواء 336.
ولحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه "أن رسول الله ﷺ قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة، وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس". أخرجه البخاري ومسلم.
(فالأركان ما سقط منها سهوا أو عمدا بطلت الصلاة بتركه، والواجبات ما سقط منها عمدا بطلت الصلاة بتركه، وسهوا جبره السجود للسهو. والله أعلم).
إذا ترك المصلي واجبا متعمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهوا سقط، وجبره بسجود السهو.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
([1]) تنبيه: هذا الشرح مستفاد من عدة مصادر، ولم يُراعَ فيه التوثيق العلمي؛ لأن الغرض ابتداءً لم يكن لنشر هذا الشرح، وإنما تم إخراجه بهذه الصورة للتيسير على طلاب العلم في برنامج دليل، والله الموفق.
([2]) وقولهم في التعريف (لذاته) احتراز من مقارنة الشرط وجود السبب، فيلزم الوجود، كما لو قارنت الطهارة الزوال فهو سبب لوجوب صلاة الظهر، فالوجوب لمقارنة السبب وليس لوجود الشرط، وكذا احتراز من مقارنة الشرط قيام المانع، فيلزم العدم، كما لو قارنت الطهارة وقت النهي عن الصلاة، فعدم صحة الصلاة لقيام المانع، وليس لوجود الشرط، والله أعلم. ينظر: تيسير الوصول للشيخ عبد الله الفوزان 1/83.
([3]) ما بين المعقوفتين زيادة في إحدى النسخ.
([4]) وفي المُطلِع على ألفاظ المقنع للبعلي ص51: المميز الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب، ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام.
([5]) وهذا هو مذهب الحنابلة، وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يصح الوضوء به، وإن كان فعله بالغصب أو السرقة حراما. قال المرداوي رحمه الله تعالى في الإنصاف 1/29: (وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَصِحُّ بِهِ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ وَتُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرته). ويُحتج للرواية الثانية بأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه، وإنما لأمر خارج. وفي فتاوى اللجنة الدائمة برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى 5/216 من غصب ماء وتوضأ به للصلاة فوضوؤه صحيح في أصح قولي العلماء، وعليه التوبة إلى الله من ذلك.
([6]) على الصحيح من مذهب الحنابلة، ينظر: الإنصاف 1/352.
([7]) ينظر: الشرح الكبير لابن أبي عمر 2/15.
([8]) والقول الثاني: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء ولو كان بشهوة، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لأن النبي ﷺ قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، رواه الترمذي، وصححه الألباني، ولأن هذا مما تعم به البلوى فلو كان ناقضا لبينه النبي ﷺ، وأما الآية (أو لامستم النساء) فالمراد به الجماع، كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما.
([9]) والقول الثاني: أن مس الفرج لا ينقض الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لحديث طلق بن علي -رضي الله عنه- جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: (وهل هو إلا بضعة منك) رواه أبو داود، وذكر الحافظ في التلخيص 1/219 أن الفلاس وابن حبان والطبراني وابن حزم صححوه، وقال ابن المديني: هو عندنا أحسن من حديث بسرة. وقال الطحاوي: إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى 21/241 أن الوضوء منه مستحب جمعا بين الأدلة بحمل الأمر به على الاستحباب.
([10]) والقول الثاني: أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء، وهو قول أكثر العلماء؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: (ليس عليكم في غَسل ميتكم غُسل إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) رواه الحاكم، وحسنه الحافظ ابن حجر.
([11]) انظر: رسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
([12]) معنى الاصفرار: قال الشيخ ابن بسام في توضيح الأحكام 1/421: (تكون صفراء عند قربها من الغروب، والصفرة لون دون الحمرة) وفي شرح البلوغ للشيخ ابن عثيمين 2/22: (الشمس بيضاء لا تدركها العين، فإذا قربت من الغروب صارت صفراء، وإذا اصفرت خرج وقت العصر).
([13]) انظر: شرح حديث: لبيك اللهم لبيك لابن رجب ص125، 126.
([14]) انظر: التنوير للصنعاني 8/269.
([15]) ينظر: القول المفيد لابن عثيمين 1/463- 467.