الدليل

2025-11-19 14:02:45

كتاب عمدة الأحكام 23 _ 35

شرح عمدة الأحكام
المجلس الثالث من الحديث 23- 35

برنامج دليل 1447هـ

إن الحمد لله . . أما بعد:

بَــاب في المـذي وغَـيره

المذي: بفتح الميم وسكون الذال الـمَذْي، ويقال: الـمَذِيّ بفتح الميم وكسر الذال وتشديد الياء.

وهو ماء رقيق يخرج بعد الشهوة بلا دفق ولا إحساس بخروجه.

والمراد هنا: بيان أحكامه من حيث النجاسة ونقض الوضوء.

وقوله: (وغيره) أي أن هذا الباب فيه أحاديث في غير المذي، من نواقض الوضوء وتطهير النجاسة وسنن الفطرة.

الحديث الثالث والعشرون:

عَنْ عَلِىِّ بْنِ أبى طَالِب h قَال: كُنْتُ رَجُلا مَذّاءً، فَاسْتَحْيَيتُ أنْ أسْألَ رَسُولَ الله لِمَكَان ابنته منِّى، فَأمَرْتُ المِقْدادَ بْنِ الأسْوَد، فَسألهُ، فَقَاَل : «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويتوضأ».

وللبخاري «اغْسِل ذَكَرَكَ وتَوَضأ» ولمسلم: «تَوَضأ وَاْنضَحْ فَرْجَكَ».

 

راوي الحديث:

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ابن عم رسول الله ، وأمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، والمبشر بالجنة، تربى في حجر النبي ، وآمن به من حين بُعث، تزوج ابنته فاطمة i، واشتهر بالعلم والشجاعة والفطنة، قال فيه النبي : (أقضاكم علي) قُتل شهيدا على يد الخارجي الضال عبد الرحمن بن ملجم سنة 40هـ h.

والمقداد هو ابن عمرو بن ثعلبة الكندي، ونسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري لأنه تبناه، أسلم قديما، وهاجر الهجرتين، وتزوج ضباعة بنت الزبير i، شهد بدرا وما بعدها، توفي سنة 33هـ، ودفن في البقيع h.

غريب الحديث:

مذَّاء: أي كثير المَذي.

فاستحييتُ: سبب الحياء أن المذي يتعلق بالشهوة، فاستحيا أن يسأل النبي عن ذلك لكون زوجته ابنة النبي .

والمراد بابنته أي فاطمة i وهي أصغر بنات النبي ، وسيدة نساء المؤمنين، تزوجها علي في السنة الثانية من الهجرة، توفيت في المدينة سنة 11هـ، ولها 24 سنة i.

وإنما أمر المقداد ولم يأمر غيره لمذاكرة حصلت بينهما في المذي.

يغسلُ: برفع اللام. هكذا الرواية على صيغة الخبر، ومعناه الأمر.

انضح فرجك: يراد بالنضح، الرش وهو الأكثر، وقد يراد به الغَسل، وهو المراد هنا، ليوافق الرواية الأخرى المصرّحة بالغسل.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن خروج المذي من نواقض الوضوء، لأنه خارج من أحد السبيلين. وكونه ناقضا مجمع عليه.

2- وجوب غسل الذكر كله عند خروج المذي منه، وكذا يجب غسل انثييه، لما ورد في بعض روايات حديث علي h: كنت رجلاً مذّاء، وكنت أستحي أن أسأل النبي لمكان ابنته، فأمرت المقدادَ فسأله؟ فقال: «يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ». رواه أحمد (1009) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. ومعنى (انثييه) أي خصيتيه.

قال الشيخ ابن باز في الإفهام شرح عمدة الأحكام ص100 في المذي: (فإذا أصاب الثوب ينضح أو البدن ما يحتاج إلى غسل ينضح، إذا رشه بالماء كفى، ويغسل الذكر والأنثيين ويتوضأ وضوء الصلاة من جهة المذي، سواء كان المرأة، أو الرجل، كله واحد، لا فرق بين الرجل والمرأة).

3- أنه لا يوجب غسل البدن كالجنابة، وهو إجماع.

4- أنه لا يكفي في إزالة المذي الاستجمار بالحجارة كالبول بل لابد من الماء.

5- وفيه جواز إخبار الإنسان عن نفسه بما يستحيي منه للمصلحة.

6- يجوز للإنسان ألا يسأل المفتي بنفسه بسبب الحياء، وإنما يوكل من يسأل له، إذا كان موثوقا في فهمه وحفظه ودينه.

7- أن من الأدب ألا يذكر الرجل عند أقارب زوجته ما يتعلق بالفروج والشهوة.

8- فضيلة علي h حيث لم يمنعه الحياء من السؤال عن العلم، وكمال أدبه حيث لم يباشر سؤال النبي عن ذلك لمكان ابنته .

الحديث الرابع والعشرون

عن عَبّادٍ بنِ تَميمٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ زَيد بنِ عَاصِمٍ المَازِني قال: شُكِيَ إلى النبي الرجُلُ يُخَيلُ إلَيْهِ أنَهُ يَجِدُ الشيء في الصَّلاةِ، فَقَالَ: «لا يَنْصرفْ حَتّى يَسمَعَ صَوتاً أو يَجِدَ رِيحاً».

عباد بن تميم بن زيد من ثقات التابعين.

غريب الحديث:

شكي: الشكوى التوجع من الشيء طلبا لإزالته، والشاكي هو عبد الله بن زيد h كما في رواية أخرى.

يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة: أي يظن أنه خرج منه ريح أو غيره.

يسمع صوتا أو يجد ريحا: أي يتيقن بسماع الصوت أو شم الرائحة.  

ما يؤخذ من الحديث:

1- أخذ الفقهاء من هذا الحديث قاعدة كبرى من قواعد الشريعة، وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان. ويعبَّر عنها: اليقين لا يزول بالشك.

2- أن مجرد الشك في الحدث، لا يبطل الوضوء، ولا الصلاة؛ لأن الأصل بقاء الطهارة.

وكذا من تيقن الحدث وشك في الطهارة، فالأصل أن باق على الحدث.

ومن شك في عدد الركعات بنى على اليقين.

ومن شك في طلاق زوجته أو عدده بنى على اليقين.

3- تحريم الانصراف من الصلاة لغير سبب بيِّن.

4- أن الريح الخارجة من الدبر، بصوت أو بغير صوت، ناقضة للوضوء.

5- يراد من سماع الصوت ووجدان الريح في الحديث التيقن من ذلك، فلو كان لا يسمـع ولا يشم، وتيقن بغـير هذين الطـريقـين، انتقض وضوءه.

6- أن من الأدب تجنب ذكر الأشياء التي يستحيا من ذكرها، يؤخذ من قوله: يجد الشيء في الصلاة، إلا عند وجود مقضٍ للتصريح.

 الحديث الخامس والعشرون

عَنْ أُم قَيْسِ بِنْتَ مِحْصَنِ اْلأسـديَـة أنها أتَتْ بِابْنِ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأكُلِ الطّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللّه فأجلَسَهُ رسول الله في حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِـمَاء فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.

وفي حديث عائشـةَ أم المؤمنـين: أنَّ رَسُـولَ الله أُتِيَ بِصبيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِـمَاء فَأتْبَعَهُ إِيَّاه. ولمسلم: «فَأتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ».

راوي الحديث:

أم قيس هي آمنة بنت محصن الأسدية أخت عكاشة بن محصن k، أسلمت قديما، وهاجرت إلى المدينة، وعُمِّرت طويلا i.

غريب الحديث:

بابن لها: غير مسمى، مات صغيرا، روى الإمام أحمد 26999 عَنْ أُمِّ قَيْسٍ، أَنَّها قَالَتْ: تُوُفِّيَ ابْنِي، فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ: لَا تَغْسِلْ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ، فَتَقْتُلَهُ، فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «مَا قَالَتْ؟ طَالَ عُمْرُهَا» قَالَ: «فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً عُمِّرَتْ مَا عُمِّرَتْ»[1]

لم يأكل الطعام: أي لم يكن الطعام قوتا له لصغره، وإنما قوته اللبن، وفي رواية لمسلم: لم يبلغ أن يأكل الطعام.

فالمعنى أنه لم يأكل الطعام بشهوة واختيار وطلب، لا أنه لا يأكل الطعام بالكلية؛ لأنه يسقى الأدوية والسُّكَّر، ويحنك عند الولادة.

حجره: بفتح الحاء وكسرها وضمها أي حضنه.

فنَضَحَه: أي رشه رشا يعم مكان البول. أي يُغمر بالماء وإن لم ينفصل عنه.

ولم يغسله: أي لم يكثر صب الماء عليه ويدلكه.

أُتي بصبي: أي جيء إليه بطفل صغير لأجل أن يحنكه.

فأتبعه إياه: أي صب الماء عليه.

ما يؤخذ من الحديث:

1- نجاسة بول الغلام وإن لم يأكل الطعام لشهوة؛ لأنه صب الماء عليه فدل على نجاسته.

2- كفاية صب الماء عليه، الذي لا يبلغ درجة الجريان، لتطهير بول الغلام.

3- أن هذا الحكم وهو كفاية النضح خاص ببول الصبي الذي لم يأكل الطعام لشهوة، أما غائطه فلا بد فيه من الغسل.

4- الأولى المبادرة بتطهير النجاسة؛ لفعله في هذا الحديث؛ ولئلا يُنسى.

5- حسن خلق النبي ، وتواضعه الجم.

والحكمة في تخفيف نجاسة بول الغلام قيل: إن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر فيشق غسله وبول الجارية يخرج في موضع واحد فلا يشق غسله.

وقيل: إنه يكثر حمله على الأيدي لتعلق القلوب به، فربما بال أثناء حمله، فتعظم المشقة بغسله.

وقيل: إن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته.

وهذه الفروق المذكورة إن صحت وإلا فالمعول على تفريق السنة، ولهذا قال بعض العلماء إن الحكمة تعبدية.

الحديث السادس والعشرون

عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ h قال: جَاءَ أعْرَابيّ فَبَاَلَ في طَائِفَةِ المسْجدِ فَزَجَرَهُ الناس، فَنَهَاهُمُ النبي ، فلَما قَضَى بَولَه، أمَرَ النبي بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فأهْرِيقَ عَلَيْهِ[2].

غريب الحديث:

أعرابي: بفتح الهمزة، نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية.

في طائفة المسجد: في ناحية المسجد. والمراد مسجد النبي .

فزجره الناس: نهروه بشدة وصاحوا به.

بذنوب من ماء: بفتح الذال، الدلو الملأى ماءً، ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء.

فأهريق عليه: أي: صُبَّ عليه.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن البول على الأرض يَطْهُر بغمره بالماء، ولا يُشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك ولا قبله، إلا أن تكون النجاسة لها جرم فلا بد من إزالته ثم يُطهَّر موضعه.

2- احترام المساجد والمبادرة بتطهيرها من البول والقذر.

3- عند اجتماع المفاسد، يرتكب أخفها، فقد تركه النبي يكمل بوله وإن كان مفسدة؛ لأن نهيه حال البول يترتب عليه مفسدة أعظم وهي انتشار النجاسة في عدة مواضع من المسجد، وما يخشى من الضرر عليه بقطعه بوله.

4- إن البعد عن الناس والمدُن يسبب الجفاء والجهل.

5-رفق النبي بتعليم الجاهل، وكمال حكمته.

الحديث السابع والعشرون

عَن أبيِ هُرَيرة h قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «الفطرة خمس: الْخِتَانُ، والاستِحْدَادُ، وَقَصُ الشَّارب، وَتَقلِيمُ الأظَافِرِ، وَنَتْف الإبْطِ».

غريب الحديث:

الفطرة خمس: أي خصال الفطرة خمس، والمراد بالفطرة: ما فطر الناس على حسنه أي جبلوا على حسنه.

الختان: قطع جلدة الذكر التي فوق الحشفة حتى تبرز. وفي المرأة قطع رأس جلدة في فرج الأنثى، فوق محل الإيلاج.

الاستحداد: أي حلق العانة، وهي الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن هذه الخصال الخمس من الفطرة التي يحبها الله ويأمر بها، وجُبل عليها أصحاب الفطر السليمة.

3- أن الدين الإسلامي جاء بالنظافة والجـمال والكمال.

3- مشروعية تعاهد هذه الخصال، وعدم الغفلة عنها، وقد جاء في صحيح مسلم (258) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ h، قَالَ: - قَالَ أَنَسٌ - «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً». فمتى طالت استحب أخذها، ما لم يمض عليها أربعون يوما فيجب الأخذ لهذا الحديث.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في الإفهام ص109 بعد ذكره لحديث أنس h: (لا يجوز أن تترك فوق أربعين ليلة، بل يتعاهدها المؤمن، يقص شاربه، يقلم أظفره، ينتف إبطه، يحلق العانة في أقل من أربعين ليلة).

وبهذا يتبين أن ما يفعله بعض الناس ذكورا وإناثا من إطالة الأظفار مخالف للفطرة التي أمر بها النبي ، ومشابهة للحيوان ذي المخالب.

 وكذا إطالة بعض الرجال شواربهم مخالف للهدي النبوي، وقد قال : (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه الترمذي (2761) وصححه الألباني، وهذا يدل على أن عدم الأخذ من الشارب كبيرة من كبائر الذنوب.

4- أن الأفضل القص في الشارب، والحلق للعانة، والنتف للإبط، فإن شق النتف أزال الشعر بأي مزيل.

5- مشروعية الختان، وهو واجب في حق الذكر عند الجمهور، لقوله لرجل أسلم: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» رواه أبو داود. وحسنه في الإرواء (79).

وفعله في زمن الصغر أولى؛ لأنه أسبق إلى الخير، وأسرع برءاً وأقل ألماً، ولا يجوز تأخيره إلى ما بعد البلوغ.

والحكمة في ختان الرجل تطهيره من النجاسة المتخلفة تحت القُلفة.

وهو مستحب للأنثى، والحكمة من ختان الأنثى تعديل شهوتها.

 

بَــاب الغُسْـل مِنَ الجنَـابة

الغُسل -بضـم الغين- اسم الاغتسال، وهو تعميم البدن بالماء.

وأصل «الجنابة» البعد، وسمي الجنب بذلك لأن ماءه باعد محله.

والحكمة من الغسل أن المجامع حين يخرج منه المني يصيبه شيء من الإجهاد والفتور في بدنه، فشرع له الغسل لتنشيط البدن. 

الحديث الثامن والعشرون

 عَنْ أبي هُرَيْرَةَ h: أن النبي لقيه في بعض طرق المدينة وهُوَ جُنُبٌ ، قالَ : فَاْنخَنَسْتُ مِنْهُ. فَذَهبْتُ- فاغتسلت، ثمً جِئت، فقال: «أيْنَ كُنْتَ يَا أبا هريرة؟» قال: كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهتُ أنْ أجالسك وَأنَا عَلَى غَيْرِ طَهَاَرةٍ. فقَالَ: «سُبْحَانَ الله إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ».

غريب الحديث:

انخنست: من الخنوس، وهو التأخر والاختفاء. يعنى انسللت واختفيت، وكان ذلك بعدما مشى مع النبي وقعد معه.

ففي رواية البخاري (285): لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ، فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ ...

منه: أي من أجله، حيث رأيت نفسي نجساً بالنسبة إلى طهارته وجلالته .

سبحان الله: أي تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، والمراد التعجب من ظن أبي هريرة h أن الجنابة تسلب طهورية المؤمن.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن الجنابة ليست نجاسة تحل بالبدن، فالمؤمن عينه طاهرة حيا وميتا، لكن قد تصيبه النجاسة الطارئة كنجاسة البول ونحوه على البدن.

2- أنه لا يلزم المبادرة بالغُسل من الجنابة، فيجوز أن يؤخر الغسل بعض الوقت ما لم تجب عليه الصلاة.

3-تعظيم الصحابة j للنبي ، فيؤخذ منه تعظيم أهل الفضل، والعلم، والصلاح، ومجالستهم على أحسن الهيئات.

4-مشروعية استئذان التابع للمتبوع في الانصراف، فقد أنكر النبي على أبي هريرة h ذهابه من غير علمه، وذاك أن الاستئذان من حسن الأدب.

5-جواز تحدُّث الإنسان عن نفسه بما يُستحيا منه إذا كان فيه مصلحة من تعليم علم ونحوه.

6- تفقد النبي أصحابه j فيؤخذ منه تفقد الكبير أتباعه والسؤال عنهم.

7- مشروعية قول سبحان الله عند التعجب.

8- جواز مجالسة الجنب، لأن أبا هريرة h جلس مع النبي وهو جنب، ولم ينكر عليه بعد علمه بحاله.

9- مفهوم الحديث: أن الكافر نجس، لكن نجاسته معنوية، لا حسية، لخبث عقيدته.

الحديث التاسع والعشرون

 عَنْ عَائِشَةَ i قَالتْ: كان رَسولُ الله إذا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَل يَدَيْهِ، ثُمَ تَوَضَّأ وضُوءهُ للصلاةِ، ثم يُخَلِّلُ بيَدْيَهِ شَعْره حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَّهُ قَدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثَلاثَ مَرَاتٍ، ثُم غَسل سَائِرَ جَسَدِهِ.

وقالت: كُنْت أغْتَسل أنَا وَرَسُول الله مِنْ إِنَاء وَاحِدٍ ، نَغْتَرِف مِنْهُ جَمِيعاً.

غريب الحديث:

إذا اغتسل من الجنابة: يعنى إذا أراد أن يغتسل من الجنابة.

ثم يخلل بيديه شعره: التخليل إدخال الأصابع بين أجزاء الشعر.

إذا ظن أنه قد أروى بشرته: أي يترجح عنده أنه وصل الماء إلى أصول الشعر، والبشرة المرادة هنا، ظاهر الجلد المستور بالشعر.

والظن يراد به هنا معنى الرجحان، إذ لا دليل على أنه لابد من اليقين، والظن قد صح التعبد به في الأحكام.

أفاض عليه: أسال الماء على شعره. 

ما يؤخذ من الحديث:

1- مشروعية الغُسل من الجنابة على هذه الصفة، فيغسل كفيه أولاً، ويتوضأ وضوءه للصلاة حتى يغسل رجليه، ثم يخلل شعر رأسه بكفيه مفرقتي الأصابع، حتى يظن أن قد أروى بشرته، أفاض الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده مرة واحده. وهذا ما يُعرف بالغُسل الكامل، وهو مستحب، والغُسل الواجب المجزئ أن ينوي الغسل ثم يفرغ الماء على جميع بدنه مع المضمضة والاستنشاق؛ لقوله لمن أصابته الجنابة : (خذ هذا فأفرغه عليك) رواه البخاري.

2- أن الحدث الأكبر أشد من الحدث الأصغر؛ لأنه يجب له غسل جميع البدن.

3- قولها: « كان إذا اغتسل «: يدل على تكرار هذا الفعل منه عند الغسل من الجنابة.

4- جواز نظر أحد الزوجين لعورة الآخر، وغُسلهما من إناء واحد.

5- حسن معاشرة النبي لأهله، يؤخذ من كونه يغتسل مع زوجه من إناء واحد.

6- ذِكْرُ الراوي ما يفيد تأكيد روايته، لقولها i: كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد نغترف منه جميعا. فأفادت بهذا تأكيد علمها بكيفية غسله .

 الحديث الثلاثون

عَنْ مَيْمُونَةَ بنْتِ الْحَارثِ زَوْج النبي أنَّهَا قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ الله وَضُوءَ الجَنَابَة فأَكفَأ بِيِمِينِهِ علَى يساره مَرًّتيْنِ أوْ ثَلاثَا، ثم غَسَلَ فرْجَهُ، ثُمٌ ضَرَبَ يدَهُ بِالأرْضِ أوْ اْلحَائِطِ مرًّتينَ أوْ ثَلاثَاً ثمَّ مَضْمَضَ وَاَسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وجْهَهُ وَذِراعَيْهِ، ثمَّ أفَاضَ عَلى رَأسهِ الْمَاءَ، ثمَّ غَسَلَ سَائرَ جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَل رِجْليْهِ فأتيتهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْها، فَجَعَل يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ.

راوي الحديث:

ميمونة بنت الحارث الهلالية، أم المؤمنين، تزوجها النبي سنة سبع من الهجرة حين اعتمر عمرة القضية، بعد موت زوجها أبي رهم بن عبد العزى، وهي آخر من تزوجها رسول الله ، توفيت بسَرِف سنة 51ه.

غريب الحديث:

وَضوء الجنابة: بفتح الواو، أي ماء غُسل الجنابة. 

أكفأ الإناء: أي أماله لينصب منه الماء.

ضرب يده في الأرض أو الحائط: المراد منه مسح يده لإزالة اللزوجة بعد الاستنجاء. و (أو) شك من الراوي.

تنحَّى: انتقل من موضعه إلى ناحية أخرى. 

أفاض الماء: الإفاضة على الشيء إفراغه عليه وإسالته فوقه.

ينفض الماء بيده: أي يسلته من على جسده بيده.  

فلم يُرِدْها: بضم الياء وكسر الراء وإسكان الدال، من الإرادة، لا من الرَّدِّ. 

ما يؤخذ من الحديث:

هذا الحديث نحو الحديث السابق، وفيه من الفوائد غير ما تقدم في الحديث السابق:

1- ذكر في الحديث أنه غسل يديه عند بدء الغسل مرتين أو ثلاثا على الشك من الراوي، وفي الحديث السابق ذكره مجملا.

2- ذكر في هذا الحديث أنه غسل فرجه بعد غسل يديه ثم مسح يديه بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا لأجل تنظيفها من الأذى.

قال الشيخ ابن باز في الإفهام ص112: (ثم يستنجي - عليه الصلاة والسلام -، وربما ضرب بيده الحائط مرتين، أو ثلاثاً، إذا كان هناك شيء من أثر نجاسة، أو بقايا لمزيد النظافة، فإذا استنجى من حاجته ربما ضرب التراب أو الجدار لمزيد النظافة، ثم يغسل ذلك، وإذا فعل ما يقوم مقام ذلك من الصابون، أو الأشنان كفى ذلك).

 3- يتعين أن ينوي بغسل فرجه ابتداء غسل الجنابة لئلا يحتاج إلى غسله مرة أخرى.

 4- في الحديث الأول ذكر أنه توضأ وضوء الصلاة، ويقتضي أنه غسل رجليه. وهذا الحديث صرح أنه غسل رجليه بعد غسل الجسد. 

ولعل أحسن ما يجمع بينهما أن يقال: إنه توضأ في حديث ميمونة وضوءاً كاملا، ولكنه غسل رجليه مرة ثانية بعد غسل الجسد في مكان آخر لكون المكان المغتسل فيه متلوثا.

وقال الشيخ ابن باز في الإفهام ص113: (ثم يتوضأ وضوء الصلاة O، يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه قبل بدنه، هذا وضوء الصلاة، وفي بعض الأحيان يترك الرجلين إلى الآخر، يغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه، ثم يفيض الماء على رأسه، ويدع رجليه بعد ذلك، فإذا كَمَّلَ غُسله، غَسل رجليه بعد ذلك، وكله سُنة، إن كمّل الوضوء وهو أفضل، ثم إذا انتهى من الغسل غسل رجليه مرة أخرى، هذا هو الأفضل، وإن أخّرهما إلى آخر الغسل، ووقف عند الرأس فلا بأس بذلك، فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - هذا وهذا).

5- في هذا الحديث أن ميمونة جاءته بخرقة لينشـف بها أعضاءه، فلم يقبلها وإنما نفض يديه من الماء. 

قال الشيخ ابن باز في الإفهام ص114: (وفيه من الفوائد أن كونه يترك التنشف أفضل بعد الغسل؛ ولهذا لما جاءته بمنديل تركه، وجعل ينفض الماء بيده - عليه الصلاة والسلام - هذا هو الأفضل، وإن تمسح فلا حرج، لكن الرسول تركه ونفض، ولم ينه عن هذا، لم ينه عن التمندل والتنشف، لم ينه عنه، ولكنه تركه، فدل على أن النفض أفضل من التمسح بعد غسل الجنابة).

6- أنه لا يجب دَلكُ الجسد في الغُسل؛ لأنه لم يذكر الدلك في هذا الحديث، إلا أنه سنة كالوضوء.

7-أنه يكفي في الغُسل غَسل الجسد مرة واحدة؛ لأنه لم يذكر التثليث في الغسل من الجنابة، وقياسه على التثليث في الوضوء، غير مسلَّم؛ لأن هذا النص مقدم على القياس. وهذا اختيار شيخ الإسلام « ابن تيمية « والشيخ « عبد الرحمن السعدي « وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد.

8-فضل ميمونة i بخدمتها للنبي وإكرامه، وفيه أن المرأة تخدم زوجها بما جرت به العادة. 

الحديث الحادي والثلاثون

عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ أن عمر بن الخَطَّابِ h قَالَ: يَا رَسُولَ الله أيَرْقُدُ أحدنا وَهُوَ جُنُب؟ قالَ: « نعم « إذَا تَوَضَأ أحَدُكُم فَلْيَرْقُد.

غريب الحديث:

أيرقد: الهمزة للاستفهام، أي أينام.

فليرقد: الأمر هنا للإباحة.

ما يؤخذ من الحديث:

1- جواز نوم الجنب قبل الغُسل إذا خفف الجنابة بالوضوء.

2- أن الكمال ألا ينام الجنب حتى يغتسل، لأن الاكتفاء بالوضوء رخصة.

3- مشروعية الوضوء قبل النوم للجنب، إذا لم يغتسل.

3- كراهة نوم الجنب بلا غسل ولا وضوء.

4- حرص الصحابة j على السؤال عما يحتاجونه من العلم.

قال الشيخ ابن باز في الإفهام ص115: (قال عمر: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ» وقالت عائشة i: كان النبي إذا أتى أهله يغسل فرجه ويتوضأ ثم ينام، وجاء عنه أنه رُبَّمَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، فالأحوال ثلاثة:

إحداها: أن ينام من غير وضوء ولا غسل، وهذا مكروه، وهو خلاف السنة.

الحالة الثانية: يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة، وهذا لا بأس به.

الثالث: يتوضأ ويغتسل، وهذا هو الأكمل، إذا اغتسل كمَّل طهارته، كان هذا أكمل، وكان النبي يفعل هذا تارة، وهذا تارة، ربما اغتسل، وربما توضأ ونام، كلاهما جائز).

عن أبي سلمة، قال: قلت لعائشة: أي أمه أكان رسول الله ينام وهو جنب؟ قالت: « نعم لم يكن ينام حتى يغسل فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة « رواه الإمام أحمد 25814.

وعن عائشة i قالت: كان رسول الله ... وربما اغتسل قبل أن ينام، وربما نام قبل أن يغتسل من الجنابة « رواه الإمام أحمد 25070.

وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ i قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً» رواه أبو داود 228، وصححه الألباني.

قال الشيخ ابن باز في الإفهام ص117: (وهذا الحديث محمول على أنه لا يمس ماء الغسل، وبعضهم أعلَّ ذلك، ولكن حمله على ماء الغسل حتى يتفق مع الأحاديث الصحيحة، حملٌ مناسب؛ لأن المراد بالماء ماء الغسل).

 الحديث الثاني والثلاثون

عَنْ أم سَلَمَةَ زَوْج النبي قَالتْ: جَاءَتْ أم سُلَيْمٍ- امْرَأةُ أبي طَلحَةَ- إلَى رَسُول الله    فَقَاَلَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِن الله لا يستحي مِنَ الْحَق هَل عَلى المَرأةِ مِنْ غُسْل إِذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُول الله : «نَعَمْ، إِذاَ هِيَ رَأتِ اْلمَاءَ».

راوي الحديث:

أم سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، أم المؤمنين، أسلمت قديما هي وزوجها أبو سلمة h، فمات عنها بعد غزوة أحد، فأخلف الله لها رسول الله ، فتزوجها سنة أربع من الهجرة، وكانت ذات رأي وعقل، توفيت بالمدينة سنة 62ه، وهي آخر زوجات النبي ورضي الله عنهن موتا، i.

وأم سليم هي سهلة بنت ملحان الأنصارية، أم أنس بن مالك h، أسلمت قديما، فلما مات زوجها خطبها أبو طلحة، فقالت إن أسلمت تزوجتك ولا أريد صداقا غيره، فأسلم h وزوجها به ابنها أنس h، كانت فاضلة عاقلة من أثبت النساء قلبا، i.

وأبو طلحة زوجها هو زيد بن سهل الأنصاري، من فضلاء الصحابة j شهد بدرا وأحدا، وتصدق بأحب ماله إليه، لما نزل قول الله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ توفي سنة 50هـ تقريبا.

غريب الحديث:

إن الله لا يستحيي من الحق: أي لا يمتنع عن قول الحق حياء.

احتلَمتْ: أي رأت في المنام أنها تُجامَع.

رأت الماء: أبصرت المني.

ما يؤخذ من الحديث:

1- أن المرأة عليها الغسل حين تحتلم، إذا أنزلت ورأت الماء.

فوجوب الاغتسال معلق برؤية المني، فإن ذكر الرجل أو المرأة احتلاما ولم يريا منيا فلا يجب الغسل.

عن عَائِشَةَ i قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا؟ قَالَ: «يَغْتَسِلُ»، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا؟ قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ»، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ تَرَى ذَلِكَ غُسْلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» رواه الترمذي (113) وصححه الألباني.

2- أن المرأة تُنْزِل كما يُنْزِلُ الرجل، ومن ذاك يكون الشبه في الولد، كما جاء في رواية النسائي لهذا الحديث، أن النبي لما قال: (نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «فَفِيمَ يُشْبِهُهَا الْوَلَد) رواه النسائي (197) وصححه الألباني.

3- نفي صفة الحياء من الحق عن الله عز وجل، وذلك لكمال عدله ورحمته.

وذلك أن صفات السلب المحض لا تدخل في أوصافه تعالى إلا إذا تضمنت كمال ضدها، كقوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم) وذلك لكمال قيوميته وحياته سبحانه.

4-أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من تعلُّم العلم، حتى في المسائل التي يُستحيا مهنا.

ولهذا جاء في رواية لمسلم: فقالت عائشة i: يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك. فقال النبي : (بل أنت فتربت يمينك، نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت الماء).

5-وفيه فضيلة أم سليم i حيث لم يمنعها الحياء من السؤال عما تحتاجه من العلم.

وقد قالت عائشة i: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.

وقد قيل: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر. 

6- أن من الأدب وحسن المخاطبة، أن يُقدَّم أمام الكلام الذي يستحيا منه مقدمة تناسب المقام، تمهيدا للكلام، ليخف وقعه، ولئلا يُنسَب صاحبه إلى الجفاء.

 الحديث الثالث والثلاثون

عن عَائِشَة قَالَتْ: كنتُ أغْسِل الْجَنَابةَ مَنْ ثَوبِ رَسولِ الله فيخرج إلى الصلاةِ وإن بُقَعَ الْمَاءِ في ثَوْبِهِ.

وفِي لفظ مسلم «لقد كُنْتُ أفرُكهُ مِن ثَوْبِ رَسولَ الله فَركاً فيصَلي فِيهِ».

غريب الحديث:

أغسل الجنابة: أي أنها تزيل المني بالماء من ثوبه .

وإن بقع الماء في ثوبه: أي أنه يخرج إلى الصلاة قبل أن يجف ثوبه من أثر الغَسل.

لقد كنت أفركه: هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، القسم المقدر، واللام الموطئة للقسم، وقد التي تفيد التحقيق، والتقدير: والله لقد كنت أفركه.

والفرك: الدلك.

فركا: مصدر مؤكِّد لعامله، وفائدته نفي أن يكون مع الفرك ماء.

ما يؤخذ من الحديث:

1- طهارة المني، وعدم وجوب غسله من البدن والثياب؛ لأنه لو كان نجسا لم يطهر بمجرد فركه بل كان لا بد فيه من الغسل بالماء كسائر النجاسات.

ولأن المني هو أصل الإنسان فلا يليق أن يكون أصله نجسا، وقد كرَّمه الله تعالى وطهَّره.

وأما غسله في الرواية الأخرى فلا يدل على نجاسته، وإنما فيه التنزه عنه كما يتنزه عن المخاط والبصاق وتنظيف الثياب منها، وإن كانت غير نجسة.

2-يستحب إزالة أثر المني، فإن كان رطبا غُسل، وإن كان يابسا فُرك، وله غسله أيضا إذا كان يابسا.

3-فضيلة عائشة i بخدمتها للنبي ، فيؤخذ منه خدمة الزوجة زوجها بما جرت به العادة في ذلك.

 الحديث الرابع والثلاثون

عَنْ أبى هُريرة h أنَّ رَسُولَ الله قالَ «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثم جَهَدَهَا وَجَبَ الغُسْلُ» وفي لفظ لمسلم «وَإِن لَمْ يُنْزل».

غريب الحديث:

إذا جلس: أي الرجل لجماع امرأته.

شعبها الأربع: يريد بذلك يديها ورجليها، وهو كناية عن الجماع.

ثم جَهدها: معناه: بلغ المشقة بكدها، وهو كناية عن الإيلاج.

ما يؤخذ من الحديث:

1- وجوب الغسل على الرجل والمرأة من إيلاج الذَّكَرِ في الفرج، وإن لم يحصل إنزال منهما.

2- استعمال الكناية فيما يستحيا عن التصريح به.

3- الإيماء إلى الحكمة من وجوب الغُسل بمجرد الجماع ولو لم ينزل، وهي عودة نشاط الجسم من الجهد الموجب لفتوره.

4-هذا الحديث ناسخ لحديث أبي سعيد h: (الماءُ من الماء) المفهوم منه بطريق الحصر، أنه لا غسل إلا من إنزال المَني.

 الحديث الخامس والثلاثون

عَنْ أبي جَعْفَر مُحَمَدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ الْحُسيْنِ بْنِ عَلِي بْنِ أبيِ طَالِب رَضِىَ الله عَنْهُمْ أنَّهُ كَانَ هُوَ وَأبُوهُ عنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فسألوه عَنْ الْغُسْلِ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاع فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيني. فَقَال جَابر: كَانَ يَكْفِى مَنْ هُوِ أوْفَرُ مِنْكَ شَعَراً وَخَير مِنْكَ -يُريدُ رَسُولَ اللهَ - ثُمَّ أمَّنَا في ثوْبٍ. وفي لفظ «كَانَ النبي يُفرِغ المَاءَ عَلى رَأسِهِ ثَلاثَا».

قال المصنف: الرجل الذي قال: «مَا يَكفينِي» هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب h، أبوه محمد بن الحنفية.

راوي الحديث:

أبو جعفر: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، من التابعين، ويعرف بالباقر؛ لأنه تعمق في العلم، وتوسع فيه، كان ثقة فاضلا، توفي في المدينة سنة بضع عشرة ومائة، ودفن بالبقيع، رحمه الله تعالى.

هو وأبوه: هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، من ثقات التابعين وفقهائهم وفضلائهم، توفي سنة 93ه بالمدينة ودفن بالبقيع.

وجابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري السلمي، شهد العقبة، وغزا مع النبي جميع غزواته سوى بدر وأحد حيث منعه أبوه، ليكون عند أخواته، فلما استشهد أبوه بأحد، تزوج امرأة ثيبا لتقوم على رعاية أخواته، كان كثير الرواية لحديث رسول الله ، توفي بالمدينة سنة 74هـ h.

غريب الحديث:

فسألوه عن الغسل: أي عن ماء الغسل ما يكفي فيه.

صاع: وحدة حجم، يعادل باللتر 2.748 لتر عند الجمهور. كما في معجم لغة الفقهاء.

والمد يعادل 0.687 لتر.

فقال رجل: هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، ثقة من التابعين، توفي سنة 100ه تقريبا.

وأبوه محمد بن علي بن أبي طالب، يقال له محمد ابن الحنفية، لأن أمه كانت من سبي بني حنيفة، وهو عالم ثقة من التابعين، توفي سنة 80ه رحمهما الله تعالى.

ثم أمَّنا في ثوب: أي صلى بنا جابر h إماما في ثوب واحد.

ما يؤخذ من الحديث:

1- حرص السلف على اتباع السنة حتى في قدر ماء الغسل.

2- أن صب الماء على البدن في غسل الجنابة وسيلانه عليه كاف في تأدية الواجب.

3- أن الصاع الذي هو أربعة أمداد، يكفي للغسل من الجنابة.

4- استحباب الاقتصاد في ماء الطهارة.

5- مشروعية إفراغ الماء على الرأس ثلاثا.

6-استعمال الشدة في الرد على من عارض السنة إذا اقتضت ذلك المصلحة.

7-جواز الصلاة في ثوب واحد إذا كان ساترا، ولو كان إماما.

والحمد لله رب العالمين.

 

[1] قال الألباني في الأدب المفرد (652): ضعيف، وقال محققو المسند: إسناده محتمل للتحسين.

 

[2] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ فَصَلَّى قَالَ ابْنُ عَبْدَة: رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ : «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ وَقَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» أَوْ قَالَ: «ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ». رواه أبو داود (380) وصححه الألباني.

 

📄 اضغط لمشاهدة الملف

المقاطع ذات صله